قدم النائب جهاد الصمد مذكرة إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في الإجتماع الموسع الذي عقد في دار الفتوى، السبت 24 أيلول 2022، تضمنت الثوابت الوطنية التالية:
ـ أولاً: يهمني أن أؤكد موقفي الإيجابي من الميثاق الوطني والصيغة اللبنانية المتوافق عليهما بين اللبنانيين. وعلى الرغم من صحة تحليل “جورج نقاش” آنذاك في مقاله الشهير المعنون “سلبيتان لا يصنعان أمة” ( Deux negations ne font pas une nation)، (لبنان لا مقر ولا ممر)، فإنني أرى أن التوافق على السلبي خير من الاختلاف على الإيجابي ضمن صيغة العيش المشترك والشراكة الوطنية التي ارتضيناهما بعد الاستقلال، إذ انتقلنا من اتفاق مختلف عليه (الاستقلال) إلى اختلاف متفق عليه (الطائف)”.
ـ ثانياً: أعلن تمسكي باتفاق الطائف نصاً وروحاً، وإن كنت أعتقد أن التجربة والممارسة قد أثبتتا بعد أكثر من ثلث قرن حاجتهما الماسة لبعض التفسيرات والتعديلات والاضافات حرصاً على حسن سير المؤسسات الدستورية، ومبدأ فصل السلطات وإرساء دولة الحق والقانون. وما أخشاه أن يكون الخروج القسري لدولة الرئيس سعد الحريري هو تمهيد لسقوط الطائف ونشوء نظام سياسي جديد. لذا حرصت على تسمية دولته في الاستشارات النيابية الأخيرة رغم الخصومة السياسية، مؤكداً أن نكون مختلفين لا يعني أن نكون أعداء.
كما أنني أسمح لنفسي بالرغم من غيابه القسري عن المشاركة في الانتخابات النيابية فهو الأكثر حضوراً وتأثيراً في الشراكة الوطنية، إذ أنه ليس فقط الأكثر تمثيلاً لأهل السنة، بل أن مظلومية كبيرة قد لحقت به وبنا، من نتائجها المباشرة تشظي التمثيل السياسي لأهل السنة من ناحية، ومن ناحية ثانية تهميش دورهم في الحياة السياسية والشراكة الوطنية.
ـ ثالثاً: في القضية القومية: إننا نحن أهل السنة، أبناء القضية العربية نحب فلسطين نيابة عن كل الذين باعوها، لذا كانت القدس والأقصى وستبقيان في الوجدان العربي والإسلامي رغم كل محاولات التطبيع والخيانة.
رابعاً: في انحسار دور السنة في الإقليم والمنطقة العربية. يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق والأشهر “إذا كانت عداوة أميركا مكلفة فإن صداقتها مميتة”.
لا شك أن السياسة العربية سيما بعض حكام دول الخليج العربي قد أصيبت بانتكاسات مباشرة على الأقل في العراق وسوريا واليمن. إن تحالف البلدان العربية مع الولايات المتحدة الأميركية في الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة قد جر الويلات على شعوب المنطقة سيما في اليمن وسوريا والعراق، انعكست مباشرة على التوازن الداخلي الهش في لبنان وألحق بأهل السنة تراجعاً كبيراً. إذ لا يمكن أن يهزم “المشروع السني” في المنطقة من دون أن يتراجع في لبنان.
ـ خامساً: في مرجعية دار الفتوى. منذ عام 1922 وحتى الاستقلال وبعده وصولاً لعام 1967 وسنداً للنصوص القانونية والتنظيمية، كانت دار الفتوى هي المرجعية الدينية لكل المسلمين اللبنانيين أياً كانت مذاهبهم، وكان المفتي ولا يزال مفتي الجمهورية اللبنانية. أذكر ذلك لأشدد على المرجعية الدينية الشاملة لدار الفتوى ولصاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية، أما خلاف ذلك فهو أمر متعثر وغير قابل للتحقق لأن الدار هي دار تنظيم لحياة المسلمين الدينية والشرعية أما مرجعيتها السياسية فهي لرئاسة الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء.
إنني وإن كنت أنتقد محاولة إخضاع دار الفتوى لسيطرة مراجع سياسية، فإنني وبنفس الشدة أنتقد تدخل دار الفتوى في الحسابات السياسية الضيقة وانحيازها إلى البعض، مؤكداً على دورها الديني والوطني والقومي عاملاً مع أهلي على استعادة الاعتدال السياسي لأهل السنة، لأن التفاهم بيننا هو تحمل حقنا بالاختلاف، وذلك لن يكون إلا إذا كانت الدار ومفتيها على مسافة واحدة من جميع أبنائها”.
وختم الصمد مذكرته بالقول: “صاحب السماحة، إن أثقل ما قد يحمله الإنسان كلمة حق أضاع فرصة قولها، ولأنني لا أجامل كذباً ولا أوافق خجلاً، ولأننا نحن الخسائر وليس الخاسرين، ولأن تحمل الاختلاف وحسن إدارته هو المدخل للتفاهم والتوافق، ولأنني أعتقد أن المطلوب أن يصل الدين – بالمعنى الأخلاقي – إلى أهل السياسة لا أن يصل أهل الدين إلى السياسة، ولأن بعض المنعطفات قاسية لكنها إجبارية لمواصلة الطريق، ولأن الحياة مدرسة، والعمر يتقدم والعقل ينضح والفكر يتسع والحق ينضح، فكيف لا نتغير جميعاً؟؟. هذا هو التحدي. والله هو المستعان”.
Related Posts