أعطى رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي إشارة واضحة عن ما يجول في خاطر الطرابلسيين من أفكار واستعدادات للتحرك في الشارع، إحتجاجاً على وصلت إليه الأوضاع في مدينتهم من تردّي على صعيد الخدمات ومعالجة الملفات العالقة، والتي كان آخرها ملفات الكهرباء والتلوث البيئي و”فشل” المشاريع التي تنفذ في المدينة.
تلويح أفندي طرابلس بالنزول إلى الشارع لتحصيل حقوق طرابلس المهدورة، ورفع الحرمان التاريخي عنها، جاء على خلفية السجال الواسع الذي دار حول باخرة الكهرباء التركية الثالثة، التي انتقلت من صور إلى الجيّة وأخيراً إلى كسروان، والتي باتت بفضلها تنعم بتيار كهربائي لا يقلّ عن 22 ساعة يومياً، في حين أن عاصمة الشمال بالكاد تحصل على 12 ساعة من الإنارة أما الساعات المتبقية فيعمل المواطنون وأصحاب المؤسسات على تأمين التيار الكهربائي فيها من خلال مولدات الكهرباء الخاصة، التي يتحكم أصحابها برقاب أهالي المدينة، ويستنزفون جيوبهم وعرق جبينهم.
لم يكن النقد اللاذع الذي وجهه كرامي لأهل السلطة نابعاً من فراغ، فأهالي المدينة يعانون الأمرّين منذ سنوات وعقود، والدولة لا تلتفت إليهم، فلا تنفذ فيها مشروعاً حيوياً وإنمائياً حقيقياً إلا بعد ″طلوع الروح″، ولا ترخّص لإنشاء مشاريع إقتصادية وإنمائية من شأنها أن ترفع الظلم والمعاناة عن كاهل المدينة، كما هو الحال مع مشروع “نور الفيحاء” الذي قدّمه الرئيس نجيب ميقاتي منذ قرابة 3 سنوات، وما يزال نائماً في أدراج وزارة الطاقة لأسباب كيدية مختلفة، ما يجعل المدينة تعيش ركوداً إقتصادياً وبطالة كبيرة ومستوى معيشي جعل منها الأفقر بين مدن شرق البحر الأبيض المتوسط.
كلام الأفندي لم ينبع من ردّ فعل فقط، وهو أمر طبيعي بالنسبة لأي مواطن أو مسؤول طرابلسي تعاني مدينته إهمالاً شديداً، بل جاء مدروساً بعدما وضع خطة لتحرّك شعبي في المدينة للإعتراض على حقوقها المهدورة، بعد عيد الأضحى مباشرة نهاية شهر آب الجاري، تتضمن بعد التنسيق مع ″بعض″ سياسيي طرابلس وفعاليتها، ″عقد لقاء موسع للتشاور، تليه تظاهرة، ثم الدعوة إلى إضراب عام، وصولاً إلى إعلان العصيان المدني ما لم تتم تلبية إحتياجات الناس الملحّة في المدينة″، معتبراً أن طرابلس “تتعرض لأكبر حرمان ولأشد ظلم شهدته في تاريخها، وخصوصاً حالياً في الكهرباء، إضافة الى باقي المصائب التي تعيشها المدينة″.
ومع أن أغلب سياسيي وفاعليات طرابلس إحتجوا بشكل أو بآخر على الوضع الخدماتي المزري في المدينة، وتحديداً التقنين القاسي للتيار الكهربائي، باستثناء تيار المستقبل الذي له حسابات سياسية مختلفة كونه موجوداً في السلطة منذ نحو عقد ونصف، وهو يتحمل المسؤولية الرئيسية عن هذا الحرمان، فإن كرامي رمى قفازاته جانباً، وبادر ليتصدر واجهة التحرّك الإحتجاجي السّياسي والشعبي المنتظر بالمدينة، إنطلاقاً من أنه ″ليس لدي ما أخسره أو أخشاه، فأنا متحرّر من المصالح الضيقة والطلبات الشخصية″، على حدّ قوله، كاشفاً أنه اختار أن يرفع الصوت في هذا التوقيت ″بعدما تبيّن لي أن تشكيل الحكومة متأخر، وأنه لم يعد ممكناً إنتظار تأليفها حتى نرفع إليها مطالبنا″.
ولم يتجاهل كرامي قضية باخرة الكهرباء التركية الثالثة، وتعاطي وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل معها باستخفاف وتحريض، محاولاً ″إيقاظ فتنة″، نظراً لتعاطيه بشكل مستفز لم تعهده أصول التعاطي بين المكونات الللبنانية من قبل مع قضية حسّاسة بهذا الحجم، على نحو أثار اعتراض سنّي وشيعي واسع في الشّارع، بعدما تبين أنه لم يراعِ المشاعر الدينية للطرفين معاً.
هذا التصرّف اعتبره كرامي ″خطيراً وأبعاده الطائفية والمذهبية غير خافية على أحد، وتبرير الوزير بهذا الشكل كفيل أن يشعل فتنة، ولا يجوز أن يمرّ من دون توضيح أو نفي، حتى لو أدى الأمر إلى محاسبة الوزير من الجهة السّياسية التي ينتمي إليها″.