يصرّ رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري على خوض معركة مع النّواب السنّة من خارج ″تيار المستقبل″، والذين فازوا في الإنتخابات النيابية الأخيرة، بعدما أعلن رفضه توزير أحدهم في حكومته التي يعمل على تأليفها، مبرراً ذلك بأسباب مختلفة، ومعرباً عن تمسّكه بحصرية التمثيل السنّي في الحكومة.
موقف الحريري هذا يُشكّل قفزاً فوق نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، التي أنهت حصرية تمثيل التيار الأزرق لطائفته، سياسياً ونيابياً وشعبياً، بعد فوز 10 نوّاب من أصل 27 نائب سنّي في مجلس النواب (37 %)، وبالتالي فإن تجاهل الحريري أمراً واقعاً أفرزه الشّارع السنّي في الإنتخابات، وهو أنه بات هناك من سيشاركه الحضور والنفوذ في هذا الشارع، ستكون تداعياته عليه كبيرة.
اللافت في الأمر أن الحريري هو من افتعل ″المشكلة″ مع النواب العشرة وليس العكس، إذ قال بعد تكليفه تأليف الحكومة في 24 أيار الماضي، في خطاب عمومي أنه سوف يمدّ يده للجميع، فقام ثمانية من النوّاب السنّة العشرة ممّن هم خارج خيمة التيار الأزرق بتسميته رئيساً مكلفاً في الإستشارات النيابية الملزمة، لكنه بدلاً من أن يتلقى مبادرتهم نحوه بإيجابية والردّ عليها بالتي هي أحسن، ويكسب عدم خصومتهم له على الأقل في المرحلة المقبلة، إذا به يُسرّب على لسان أوساطه ومقربين منه قوله إنه سيستبعدهم عن أي تمثيل في حكومته.
قرار الحريري هذا يحمل في طيّاته مخاطر سياسية عليه، لن يكون قادراً على مواجهتها في المرحلة المقبلة، إذا بقي مصرّاً عليه ولم يراجع حساباته جيداً، لأن أحداً من النوّاب السنّة العشرة خارج تياره لن يبقى ساكتاً على هضم حقوقهم بهذا الشكل، ما سيجعل الحريري يقف أمام واقعين صعبين: الأول أن يتمسك “حلفاء” النواب العشرة ويصرّوا على تمثيلهم داخل الحكومة، مثلما هو حال تمسّك التيار الوطني الحر بتوزير النائب طلال إرسلان، ما جعل عقدة التمثيل الدرزي مستعصية، بعد اعتراض رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط على توزير إرسلان.
أما الواقع الصعب الثاني أمام الحريري، فهو أن هؤلاء النوّاب العشرة، إذا استطاع إخراجهم من معادلة التوزير، سوف يتحوّلون إلى خصوم ومعارضين شرسين له في المرحلة المقبلة، وسيجد أمامه للمرة الأولى منذ عام 2005، معارضة غير مسبوقة لسلطته خارجة من داخل البيت السنّي، لها حيثيتها وتمثيلها وهي ستزاحمه على زعامة الطائفة.
مطالب النوّاب العشرة بالتوزير جرى تظهيرها في ثلاثة أطر سياسية: الأول من خلال تكتل ″الوسط المستقل″ الذي يضمّ أربعة نواب برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، أما الثاني فبرز في ″التكتل الوطني″ الذي يضمّ 7 نواب من بينهم نائبان سنّيان هما جهاد الصمد وفيصل كرامي، والثالث عبّر عن نفسه أول من امس خلال اجتماع ستة من النواب في منزل النائب عبد الرحيم مراد في بيروت، أكدوا خلاله أن ″من حقهم أن يتمثلوا بوزيرين على الأقل، قياساً على تمثيل القوى الأخرى″.
القوى الأخرى التي يضرب النواب السنّة العشرة بها المثل كمدخل لتمثيلهم في حكومة الحريري، يأتي على رأسها جنبلاط. فرئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي أوضح لـ″سفير الشمال″ أن “كتلة جنبلاط النيابية يبلغ عددها 9 نواب، وهو يريد من خلالها الحصول على حصّة الدروز بكاملها (ثلاثة وزراء في حكومة ثلاثينية)، بينما “التكتل الوطني ″الذي ننتمي إليه يبلغ عدد نوابه 7، يقول المعنيون بتأليف الحكومة إنهم لن يعطوه أكثر من حقيبة وزارية واحدة!″.
وأشار كرامي إلى أن ″الحريري قال يوم تكليفه إنه يريد تأليف حكومة وحدة وطنية، فهل تستقيم هكذا حكومة من دوننا؟″، مضيفاً: ″الحريري قال إنه يمدّ يده للجميع، ونحن بدورنا مددنا يدنا إليه وسميناه رئيساً مكلّفاً في الإستشارات النيابية الملزمة، ونأمل أن تترجم سياسة اليد الممدودة على أرض الواقع″.
مواضيع ذات صلة:
-
الحريري يقرأ في كتاب قديم: لا لسنّة المعارضة في الحكومة… عبد الكافي الصمد
-
الحريري والتمثيل الوزاري السنّي: زمن الأوّل تحوّل… عبد الكافي الصمد
-
لهذه الأسباب رفض جهاد الصّمد تسمية الحريري… عبد الكافي الصمد