هل دخل إستحقاق تأليف الحكومة في ″دوّامة″ لن يخرج منها قريباً، نظراً لتعقيدات داخلية وإقليمية كثيرة، ما فرض تأخير تشكيلها، إلى حين فكفكة عقد كثيرة اعترضت طريقها، لفترة زمنية غير معروفة؟.
هذه الأسئلة وغيرها باتت حاضرة بقوة في الأوساط المعنية بتأليف الحكومة، في ظلّ مؤشرات أوحت أن عقبات كثيرة تعترض الرئيس ″المكلف″ سعد الحريري، لن يكون قادراً على تخطيها بسهولة، بسبب تجاذبات واسعة بين القوى السياسية الرئيسية في لبنان، وخارجه.
في الداخل، لم يعد خافياً أن الإنتخابات النيابية الأخيرة قد أفرزت واقعاً جديداً، ورسمت مشهداً سياسياً مختلفاً عن السابق، سوف يشكل دافعاً من أجل بلورة وإنتاج سلطة تنفيذية جديدة (حكومة) غير متطابقة مع السلطة السابقة، التي شهدت تراجعاً دراماتيكياً.
لكن بالمقابل، تعمل السلطة السابقة، قدر استطاعتها، على عدم التسليم بهذا الواقع وتعطيل نتائج الإنتخابات النيابية، من خلال رسمها شروطاً لتأليف الحكومة، لا تنسجم مع ″التوزّع″ الجديد للخريطة السياسية اللبنانية، وكأنه لا إنتخابات جرت، ولا من يحزنون.
الأمثلة على ذلك كثيرة، فتيار المستقبل الذي كُلف رئيسه (الحريري) تأليف الحكومة، يتصرّف وكأن كتلته النيابية ما تزال الأكبر في المجلس النيابي الجديد، وأن أغلب نواب الطائفة السنّية ما يزالون يقيمون تحت خيمته الزرقاء، في حين أن واقع الإنتخابات النيابية الأخيرة أفرز تراجع الكتلة النيابية الزرقاء من 33 نائب إلى 21 فقط، وأن أكثر من ثلث النواب السنّة الجدد (10 من أصل 27) لا يدورون في فلكه، بعدما كان في السابق يهيمن على أغلبهم.
محاولة الحريري وتياره تعطيل نتائج الإنتخابات، تتمثل في رفضه أو وضعه شروطاً تعجيزية على إعطاء النوّاب السنّة العشرة أي حقيبة وزارية، سواء كتلة الوسط المستقل التي يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي، أو التكتل الوطني الذي يضم النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد إلى جانب نواب تيار المردة وآخرين، أو النواب السنّة المستقلين، أمثال عبد الرحيم مراد وأسامة سعد وفؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي.
بالموازاة، التيار الوطني الحرّ يضع حدوداً ضيقة وسقوفاً منخفضة جداً أمام تمثيل قوى مسيحية سواه في الحكومة، وعلى رأسها القوات اللبنانية وتيار المردة فضلاً عن حزب الكتائب، محاولاً وضعها أمام خيارين صعبين: الأول أن يقبلوا بالحصّة التي يعطيها لهم؛ والثاني أن يجدوا أنفسهم خارج الحكومة في حال رفضوا.
لكن ما يغيب عن بال المسؤولين عن التيار البرتقالي، وعلى رأسهم رئيسه النائب جبران باسيل، أن الأمر ليس بهذه السهولة، وأنه لا يمكنه إلغاء الآخرين بشحطة قلم إذا أراد ذلك ولا شطبهم من المعادلة، وأن أحداً من شركائه الفعليين في تأليف الحكومة لن يقبل السير بهذا الإلغاء، وتركه يستفرد وحيداّ بالحصّة المسيحية أو أغلبها في الحكومة المقبلة.
أما في الخارج، فإن صراع القوى الإقليمية والدولية على مواقع النفوذ والمصالح في المنطقة، لا بد إلا أن يترك تداعياته على تطوّر العمليات السياسية في بلدانها، ومنها لبنان، الذي يبدو إرتباطه هذه الأيام وثيقاً بالحراك السياسي والصراعات في المنطقة، أكثر من أي وقت آخر.
وعليه، يبدو واضحاً أن تطورات الوضع في العراق بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة والجدل حول إعادة فرز نتائجها يدوياً، وتطورات الوضع الأمني سوريا بعد اتساع رقعة المناطق التي تستعيدها الحكومة السورية من أيدي المسلحين المعارضين، فضلاً عن الحراك الشعبي الذي يشهده الأردن، كلها تطورات مرتبطة بشكل أو بآخر بالصراع الذي تشهده دول المنطقة، ومنها لبنان، الذي يعتبر تأليف حكومة الحريري ـ منطقياً ـ من ضمنه.
مواضيع ذات صلة:
-
الحريري والتمثيل الوزاري السنّي: زمن الأوّل تحوّل… عبد الكافي الصمد
-
حكومة الحريري تحتاج ″معجزة″ رمضانية لولادتها… عبد الكافي الصمد
-
هكذا تُولد الحكومات: حكومة الحريري نموذجاً… عبد الكافي الصمد