لا أحد في طرابلس يعرف ماذا يريد ″تيار المستقبل″، وما إذا كان يسعى الى خوض إنتخابات ديمقراطية، أم أنه يريد أن يفوز بعدد من المقاعد بقوة السلطة، أم أنه يريد أن يحرق طرابلس بفتنة لا تبقي ولا تذر بفعل حملة التخوين التي أطلقها الرئيس سعد الحريري عندما أعلن لائحة ″المستقبل للشمال″ من مركز الصفدي، وسار فيها بعد ذلك بعض المرشحين أو الداعمين لهذه اللائحة.
لم يترك ″التيار الأزرق″ منافسا له في طرابلس إلا وإتهمه إما بالخيانة أو بالعمالة أو بتابع لوصاية حزب الله أو النظام في سوريا، حتى غدا أبناء طرابلس بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وطبقاتهم الاجتماعية بنظره عملاء أو خونة، باستثناء من يحمل العلم الأزرق أو يضع ″الخرزة الزرقاء″.
غاب ″تيار المستقبل″ عن طرابلس تسع سنوات متتالية، فأغلق حنفية المال، وأقفل أبواب كل مؤسساته الخدماتية والصحية والاجتماعية والتربوية، وقطع الرواتب الشهرية عن الكوادر وصرف أكثرية الموظفين، بحجة الأزمة المالية التي يعاني منها الرئيس سعد الحريري الذي عاد بعد طول غياب، ليهدد الطرابلسيين بصفته رئيسا للحكومة باستمرار الاهمال والحرمان والتهميش لمدينتهم في حال لم يمنحوا أصواتهم لمرشحي تياره، متخليا في ذلك عن صفة رئيس الحكومة الجامع الذي من واجبه أن يقدم الانماء والمشاريع والخدمات لكل المناطق اللبنانية بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية.
عاد ″تيار المستقبل″ لا ليعوّض أبناء طرابلس عن سنوات الغياب التسعة، بل من أجل النيل من القيادات الطرابلسية وإتهامها وإتهام قواعدها الشعبية بالخيانة والعمالة، متناسيا أنه تخلى عن كل الثوابت والمبادئ، وقدم التنازلات السياسية الواحد تلو الآخر من أجل الوصول الى الحكم، بينما بقي أبناء طرابلس على ثوابتهم.
لم يقدم أي من مرشحي ″تيار المستقبل″ برنامجا إنتخابيا واقعيا أو حقيقيا، بل إن تركيز المرشحين كان فقط على كيفية إستهداف اللوائح المنافسة وشيطنتها، وكيل الاتهامات والشتائم لرؤسائها وخصوصا لائحة العزم التي نالت القسط الأكبر من هذا الهجوم، كونها الأقوى طرابلسيا والأكثر حضورا وقربا من الناس، وهي بدأت تقض المضاجع في بيت الوسط ما جعل كل الأسلحة الزرقاء المشروعة وغير المشروعة تصوّب باتجاهها، إضافة الى الاستعانة بالاحتياط، فدخل محمد الصفدي على الخط، ليفاجئ الطرابلسيين بكلمات وعبارات لا تمت الى آداب التخاطب السياسي بصلة، وهي أساءت إليه والى تاريخه قبل أن تصيب من أراد إستهدافه، كما لم يوفر خطاب المستقبل والصفدي لائحة ″لبنان السيادة″ ولائحة ″الكرامة الوطنية″.
يبدو واضحا أن ″تيار المستقبل″ يخاف من خسارة موجعة في طرابلس لا سيما أمام لائحة العزم، حيث أن المدينة باتت لها خياراتها السياسية البعيدة عن اللون الأزرق، وهي تسعى الى إستعادة قرارها من خلال إيجاد قيادة سياسية مستقلة تدافع عن الفيحاء وتحمل همومها وتنتزع حقوقها، ولعل هذا الخوف إنتقل الى النائب الصفدي لامكانية خروجه ″من المولد بلا حمص″ في حال تعرض المستقبل لهذه الخسارة، لذلك رفع سقف هجومه على الرئيس ميقاتي بشكل غير مسبوق عله بذلك يخفف من إندفاعة لائحته، قبل أن يكتشف أن ″السحر إنقلب على الساحر″.
اللافت أن ″تيار المستقبل″ يصرّ على إستفزاز الطرابلسيين بالاساءة الى قياداتهم، وبتخوين كل من يقف الى جانبهم، باستثناء الشريحة الزرقاء التي يُجمع القاصي والداني على أنها تتضاءل شيئا فشيئا في المدينة.
وكانت صحيفة ″سفير الشمال″ ذكرت أمس ووفق معلومات مؤكدة من بيت الوسط، بأن الرئيس الحريري قال للصفدي خلال لقائه به ″لقد شطحت كثيرا″ في إشارة الى ما قاله بحق الرئيس ميقاتي، من دون أن تورد في مقالها أي كلمة أو عبارة عن ″عتب الحريري على الصفدي″، لكن مصادر ″تيار المستقبل″ ردت على المقال نافية حصول أي ″عتب″، وهو ما لم يتم ذكره في المقال، معتبرة أن ″الصحيفة تسعى الى هدم الجسور وزرع الفتن″.
علما أن المقال أوحى من خلال المعلومات الواردة من بيت الوسط، بأن الحريري غير راض على ما قاله الصفدي بحق ميقاتي، وهو كلام كانت تسعى الصحيفة من خلاله الى بناء الجسور ووأد الفتنة والتخفيف من الاحتقان، لكن يبدو أن مصادر ″تيار المستقبل″ تصرّ على تسعير الفتنة في طرابلس، وتصر أيضا على مباركة الرئيس الحريري لكلام الصفدي بحق الرئيس ميقاتي ولائحة العزم، الأمر الذي يرفع من منسوب الاحتقان، كونه يمعن في الاساءة الى كل الطرابلسيين الذين لا يمكن لأحد منهم مهما كان إنتماءه السياسي أن يقبل بكلام الصفدي أو أن يقبل بوصاية جديدة لـ ″تيار المستقبل″ على المدينة.
مواضيع ذات صلة:
-
الحريري غير ممنون من الصفدي: شطحت كتير… غسان ريفي
-
هل بالغ محمد الصفدي في إرضاء المستقبل؟… غسان ريفي
-
جورج بكاسيني.. أسقط نفسه بالضربة القاضية طرابلسيا… غسان ريفي
-
علاقة ″المستقبل″ مع طرابلس.. مثل السفرجلة ″كل عضّة بـ غصّة″… غسان ريفي