لا تشبه الزيارة التي قام بها الرئيس نجيب ميقاتي الى بلدة مرياطة ـ قضاء زغرتا ظهر أمس لتدشين جامع الشهداء الكبير بعد إعادة تأهيله وترميمه على نفقة جمعية العزم والسعادة الاجتماعية، الزيارات التقليدية للمرشحين على مسافة أسابيع قليلة من الانتخابات النيابية، بل جاءت من دون أية غايات إنتخابية، خصوصا أن مرياطة تنضوي ضمن الدائرة الثالثة (زغرتا، بشري، الكورة والبترون) ولا علاقة لها بدائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية) التي يخوض فيها ميقاتي الانتخابات بـ ″لائحة العزم″ التي شكلها من شخصيات وازنة، وأعلنها يوم الأحد الفائت.
المناسبة كانت شعبية وحاشدة، جمعت أكثرية أبناء مرياطة ـ القادرية، لكنها كانت منزّهة عن الانتخابات، وتصب فقط في خدمة بلدة تربط أهلها بالرئيس ميقاتي علاقة وطيدة، وهو سبق وقدم لهم خدمات عدة منذ أن كان وزيرا للأشغال، وصولا الى ترميم جامع الشهداء الكبير الذي أعيد إفتتاحه أمس بحلته الجديدة ليكون بتصرف الأهالي قبل نحو شهرين من حلول شهر رمضان المبارك.
ترجم ميقاتي أقواله بالافعال، بأن الأعمال التي يقوم بها في كل الاتجاهات لا تمت الى الانتخابات بصلة، بل هي مستمرة بشكل دائم، بغض النظر عن أي إستحقاق ومن دون أية أهداف، وأن الانتخابات بالنسبة له هي محطة عابرة لا علاقة لها بالاستراتيجية الخدماتية التي يضعها، حيث يستعد ميقاتي أيضا لرعاية الحفل الختامي لجائزة العزم لحفظ القرآن الكريم، وهي جائرة دولية تتعدى طرابلس الى كل لبنان والعالم، ما يعطي “تيار العزم” حضورا طرابلسيا وشماليا وازنا، وإمتدادا لبنانيا وعربيا وإسلاميا واسعا.
وجه ميقاتي رسائل واضحة خلال وجوده في مرياطة أمس، الأولى بأن الخدمات التي يقدمها هي من أجل رفاه الانسان (الشعار الذي تحمله جمعية العزم) وليس من أجل الحصول فقط على أصوات المواطنين في الاستحقاقات الانتخابية، والثانية أن القانون الانتخابي الذي أجرى عملية ″ضم وفرز″ للمناطق الشمالية لا يمكن أن يلغي التواصل بين أبناء هذه المناطق الذين تربطهم علاقات تاريخية، والثالثة أنه يتعاطى مع الانتخابات بكثير من الهدوء والثقة بالنفس، ما جعله يخصص يوم جمعة ينتظره المرشحون من تيارات سياسية أخرى للتواصل مع الناخبين، لتدشين مسجد قام بترميمه وتأهيله في بلدة لا تربطه بها أية صلة إنتخابية، فضلا عن حرصه على عدم قيام أي من أعضاء لائحته بمرافقته، كون هذا الانجاز يُسجل ضمن الاطار الشخصي ومن خلال جمعية العزم.
أما الرسالة الأبرز فكانت في الحشد الكبير الذي شهدته مرياطة ـ القادرية في إستقبال الرئيس ميقاتي، ما يؤكد أن نهج الوسطية والاعتدال الذي ينتهجه في تيار العزم، بدأ يسلك دربه ويجد له مناصرين ومؤيدين إنطلاقا من طرابلس والمنية والضنية الى سائر مناطق الشمال وكل لبنان، بعدما وجد اللبنانيون بأن كل الشعارات السياسية قابلة للتغيير وفق المصالح السياسية والانتخابية، ومن أجل الوصول الى كرسي الحكم، وأن أكثرية قوى السلطة عادت الى المبادئ والثوابت التي وضعها ميقاتي خلال حكومته لا سيما شعار ″النأي بالنفس″ الذي غدا دستورا وحكمة وطنية.
ميقاتي الذي يستعد لخوض الانتخابات في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية) بهدف إستعادة القرار السياسي، يسعى الى تعزيز حضور القيادة السياسية الطرابلسية التي من المفترض بعد الانتخابات أن يُؤتى إليها من كل أنحاء لبنان، بدل أن يذهب نواب المدينة الى بيروت للقاء قيادتهم السياسية.