منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتسلم الرئيس سعد الحريري زعامة ″تيار المستقبل″ وهو يخوض معاركه السياسية والانتخابية على قاعدة مواجهة الخصوم والأعداء.
لا يختلف إثنان على أن الحريري بنى زعامته على شعارات إجتاح من خلالها الشارع السني، أبرزها مواجهة النظام السوري وإتهامه باغتيال والده، ومقارعته حزب الله ومن ورائه إيران، وإعلانه ″لاءات شهيرة″ إكتسب من خلالها شعبية إضافية، وهي: ″لا للحوار مع حزب الله، أو الجلوس معه، أو مشاركته في الحكومة، إلا بتخليه عن سلاحه، وبتسليمه المتهمين باغتيال الشهيد رفيق الحريري الى المحكمة الدولية، وخروجه من سوريا ووقف تدخله العسكري فيها″، كما كان لشعار ″الحقيقة″ حضورا وازنا في مسيرته، وكذلك المحكمة الدولية وتمويلها.
مع تسلم الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، وجد الحريري الفرصة سانحة للانقضاض على خصم أساسي بدأ من خلال شعبيته بكسر الآحادية السنية التي سعى زعيم المستقبل لاحتكارها وفق قاعدة ″أنا أو لا أحد″، لذلك فقد شن الحريري حربا شعواء على حكومة ميقاتي التي موّلت المحكمة الدولية لسنتين متتاليتين، متهما إياها بأنها حكومة حزب الله، كما حارب شعار ″النأي بالنفس″، حيث أكد أكثر من مرة بأنه ″لا ينأى بنفسه تجاه ما يحصل في سوريا، وأن له الشرف في أن يدعم الثورة السورية″، ليتساوى بذلك مع حزب الله في الوقوف طرفا داعما لأحد الفريقين المتقاتلين في سوريا.
مع مرور الوقت وتبدل الظروف السياسية، وإرتفاع منسوب ″شهوة الحكم″ لدى الحريري تخلى عن لاءاته الشهيرة، فرشح الرئيس تمام سلام لرئاسة الحكومة، وشارك فيها الى جانب حزب الله، وخاض 42 جولة حوار مع الحزب تحت شعارات ″منع الفتنة، وتأمين الاستقرار، وإنتخاب رئيس للجمهورية″.
خلال تلك الحقبة، بدأ الحريري يعدّ العدة للعودة الى السراي الكبيرة، فتخلى عن ترشيح حليفه “الأبدي السرمدي” سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، وإستبدله بترشيح خصمه اللدود زعيم ″تيار المردة″ النائب سليمان فرنجية حليف حزب الله والنظام السوري، وعندما وجد أن وصوله الى قصر بعبدا أمرا مستحيلا، بادر الى ترشيح الحليف الثاني لحزب لله العماد ميشال عون، ناسجا تسوية رئاسية على حساب كل الشعارات واللاءات السابقة، أوصلته الى رئاسة الحكومة بمشاركة حزب الله ومكونات 8 آذار.
هذه المتغيرات السياسية أدت الى تصدع عقد قوى 14 آذار، خصوصا بعدما بات الحريري حليفا للتيار الوطني الحر، ينسق معه كل التعيينات والتشكيلات، ويطبخ معه قرارات المشاريع، وعندما شعر أن حكمه بات مهددا بفعل الاصطفافات الاقليمية، صادر الملكية الفكرية والسياسية للرئيس نجيب ميقاتي باعتماده مبدأ ″النأي بالنفس″ الذي حاربه، وهو ما لبث أن أصبح مطلبا وطنيا وإقليميا ودوليا، خصوصا بعد محنة الاحتجاز التي عاشها الحريري في السعودية التي فرضت عليه الاستقالة.
حررت فرنسا بدعم أميركي الحريري من السعودية، وعاد الى لبنان معلنا تريثه، ومن ثم عودته عن الاستقالة، لكن ″زعيم المستقبل″ الذي إعتاد خوض معاركه على قاعدة مواجهة الخصوم ومؤامراتهم عليه، لم يعد لديه خصوما حقيقيين، خصوصا بعدما تحولت مكونات قوى 8 آذار الى زملاء في الحكومة، وأصدقاء وحلفاء، من ″حزب الله″ الى ″حركة أمل″، الى ″المردة″ و″التيار الوطني الحر″، الأمر الذي دفعه الى إبتكار عنوان ″بق البحصة″ موحيا من خلاله بأنه تعرض الى مؤامرة حقيقية والى الطعن بالظهر وأنه يريد أن يكشف للبنانيين والعالم من تآمر عليه وغدره، ومحاولا أيضا الحفاظ على الشعبية التي إكتسبها بعد عودته من السعودية، من خلال إظهار نفسه بأنه كان ضحية مجموعة من ″الخونة″.
تشير مصادر مطلعة الى أن الحريري بدأ يسيء الى موقع رئاسة الحكومة مجددا، بجعل ″بق البحصة″ محطة كلام في تصريحاته ومواقفه، خصوصا بعد إعلانه لن بأنه ″سيبقها″ في برنامج ″كلام الناس″ مع الزميل مارسيل غانم، ومن ثم عزوفه عن ذلك، لافتة الانتباه الى أن الأمر لا يحتاج الى كل هذه المراوغة، حيث بامكان الحريري أن يعلن الجهات التي خانته بشكل مباشر من دون “لف و دوران”، إلا إذا كان رئيس الحكومة يريد إستدراج العروض من جهات إقليمية ودولية كي لا يذكر حلفاء لها من بين الذين خانوه.
وتقول المصادر نفسها: من الواضح أن الحريري لم يعد لديه خصومات في لبنان بعد تحالفه مع ″التيار الوطني الحر″ وتعاونه مع ″حزب الله وحركة أمل″ وصداقته مع ″المردة″، لا سيما بعدما برأ القوات اللبنانية من إتهامات ″الخيانة″ التي أطلقت باتجاهها بطرق غير مباشرة.
لذلك وبحسب المصادر، فإن الحريري لم يجد وسيلة للابقاء على شعار الخصومة لخوض معاركه من خلاله، إلا ضمن الطائفة السنية، وبالهجوم المباشر على الوزير السابق اللواء أشرف ريفي المتمرد عليه وعلى آدائه السياسي، وعلى الوزيرين السابقين فيصل كرامي وعبدالرحيم مراد ورئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، إضافة الى هجومه المركّز على الرئيس نجيب ميقاتي وفق قاعدة ″عداوة الكار″، حيث بات الحريري على يقين بأن زمن الآحادية السياسية المعقودة له قد ولى، بدخول ميقاتي شريكا أساسيا فيها، سواء على مستوى رئاسة الحكومة، أو على المستوى الشعبي.
وترى هذه المصادر أن سلوك الحريري يساهم في تصدع الطائفة السنية، وذلك بعكس رغبة المملكة العربية السعودية التي أعلنت أكثر من مرة سعيها لتوحيد السنة في لبنان ليكونوا قوة متراصة قادرة على مواجهة التحديات.