لم تعد الانتخابات في عكار مجرد سباق وتحالفات تقليدية، فهذه المحافظة التي لطالما اعتبرت “خزاناً انتخابياً” للعديد من القوى السياسية، باتت اليوم مختبراً حقيقياً لفهم كيفية قيام السوشيل ميديا بتغيير المزاج الشعبي ودورها في قلب الطاولة على الأساليب الإنتخابية التقليدية.
في السابق كان “الزعيم أو النائب العكاري” يضمن مقعده عبر شبكة علاقات سياسية، إجتماعية وخدماتية تمتد عبر القرى، أما اليوم فإن منشوراً واحدا على صفحات التواصل الاجتماعي أو فيديو قصير قادر على قلب ميزان معركة كاملة، حيث بات الناخب يستقبل مواقف وأخبار المرشحين مباشرة على هاتفه من دون وسطاء، ومن دون كلفة، وكل كلمة تنقل وكل زيارة تحصل وكل وعد يطلق من أي مرشح.. يُحاسب عليها فوراً أمام جمهور رقمي لا يرحم.
الشباب في عكار، وخصوصاً الذين يعيشون إحباط البطالة والمستقبل المجهول وحلم الهجرة، وجدوا في الفضاء الرقمي مساحه يقولون فيها ما لم يكن سهلا قوله وجهاً لوجه، وذلك عبر صفحات محلية، يديرها ناشطون ومجموعات واتساب تشتعل بالنقاشات، وهي باتت أقوى من أي منبر حزبي، وأكثر قدرة على فضح التقصير والتلاعب.
من جانب ٱخر، تحولت صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي الى ميدان اشتباك بلا قواعد، فيديوهات مفبركة، اتهامات متبادلة، أرقام مشكوك بصحتها، حملات ممولة تستهدف مرشح هنا وآخر هناك.. كل ذلك جعل الناخب أمام “فوضى معلوماتية” يصعب فرزها، والمفارقة أن هذه الفوضى تُربك المرشحين الذين لم يعتادوا معارك من هذا النوع، بينما يستفيد منها لاعبو الظل الذين يجيدون اللعبة الرقمية، ويمتلكون ماكينات إعلامية لديها الخبرة الكافية في إدارة المعارك الإفتراضية.
كل زلة لسان، كل تسريب وكل صورة تأخذ طريقها فورا لتتحول الى مادة انتخابية ولتساهم في تغيير المزاج العام في عكار والذي بات أسير ما يتم تداوله يوميا على المنصات، وهذا ما جعل الماكينات الانتخابية مضطرة للتحول الى “مراكز مراقبة رقمية” لمتابعة كل تعليق وكل هاشتاغ والتدخل بسرعة قبل أن يفلت السرد من يدها.
بالرغم من أن التأثير الشعبي لوسائل التواصل الاجتماعي في عكار بات واضحاً، إلا أنه غير حاسم، فهي قد تساهم في الدعاية، وتؤثر في المزاج العام، لكنها لا تلغي في الوقت نفسه الوزن السياسي التقليدي للعائلة، والحزب، والطائفة والخدمات المحلية، لكن الثابت في هذا المجال هو أن السوشيال ميديا أصبحت جزءا لا يمكن تجاهله في أي معركة إنتخابية، وأن صوت عكار بات يُسمع اليوم عبر الفضاء الرقمي.




