عند الساعة السادسة والدقيقة الواحدة والعشرين من مساء السبت 27 أيلول 2025، توقف الزمن في كثير من المناطق اللبنانية.. وقف الناس في الشوارع، وترجل السائقون من سياراتهم، وخرج من في البيوت الى شرفاتهم، وتجمع المصلون في مساجدهم ومصلياتهم، وضعوا يدهم اليمنى على قلوبهم، ورمقوا السماء بأعينهم، ورددوا شعار: “إنا على العهد يا نصرالله”، وذلك في إستذكار لحظة بالغة الألم والأسى والحزن، عندما إستهدف الغدر الاسرائيلي قبل عام واحد بـ 83 طنا من المتفجرات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي إرتقى شهيدا سعيدا مع ثلة من المقاومين.
سنة كاملة مرّت على الاستشهاد، والسيد نصرالله يزداد حضورا وقوة وتألقا، وحبّه يتنامى كسنابل قمح في قلوب شعب باق على العهد والوعد، يتمسك بالنهج ويحافظ على الثوابت ويسير على درب المقاومة من دون مسايرة ولا مساومة إبتغاء لإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
كما كان متوقعا، فقد لفّ بحر الناس الأماكن التي كانت تشهد إحياء الذكرى السنوية الأولى لإستشهاد السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، من مرقد السيد نصرالله في الضاحية الجنوبية الى مرقد السيد صفي الدين في دير قانون النهر، الى مرقد السيد عباس الموسوي في النبي الشيت، الى أماكن مختلفة في المناطق والبلدات والساحات والمراكز والبيوت.
ضاقت المساحات الواسعة على رحابتها بحشود المواطنين وفاضت الى جنبات الطرقات التي إمتلأت عن بكرة أبيها، في مشهد يؤكد أن لهذه المقاومة شعب يلتف حولها أكثر من أي وقت مضى، وهذا عائد أولا لتمسك هذه البيئة بنهج المقاومة من دون أي تردد، ولشعورها بتهديدات وجودية للمقاومة وحزب الله.
لا شك في أن ما تتعرض له المقاومة في لبنان من هجمات وإستهدافات وتجريح وتضييق ومواقف إرتجالية رسمية، يشدّ من عصب هذه البيئة ويجعلها رأس حربة في الدفاع عنها وحمايتها، وتقديم كل أنواع التضحيات ومواجهة الصعاب والأزمات للحفاظ عليها وعلى قوتها ومنعتها.
أثبت حزب الله في ذكرى الاستشهاد الأولى، أنه الحزب الأكثر والأكبر شعبية في لبنان، وأنه لا يوجد أي تيار أو حزب يمكن أن يضاهيه على المستوى اللبناني، وهذا ما يكسبه شرعية يسعى الخارج وبعض الداخل لإسقاطها عنه، لكن من يستند الى مثل هذا الشعب يستحيل أن يسقط أو أن تسقط شرعيته السياسية والنضالية والاجتماعية.
في هذا الاطار، تشير مصادر سياسية مطلعة الى أنه “آن الأوان لكي يصار الى مقاربة ملف حضور وسلاح المقاومة وحزب الله بطريقة مختلفة، فهذه الشريحة هي جزء من شعب لبنان، وهذه الشرعية هي شرعية لبنانية ولا يستطيع أحد مهما بلغ من قوة أن يلغيها أو يشكك بها، كما لا يستطيع أي كان على مستوى الداخل أن يرقى الى مستوى هذا الحضور الشعبي المنتشر أفقيا على مساحات الوطن.
أظهرت الذكرى الأولى لإستشهاد السيد نصرالله بما لا يقبل الشك، أن شخصيته، نهجه، كلامه، مواقفه، إصبعه وكل حركاته وسكناته ما تزال حاضرة بقوة في الضمير الجمعي لبيئة المقاومة، وأن هذا الرجل الأممي بما يمثله من ممانعة ومصداقية وكاريزما وحب للناس ومن الناس، عصيّ على النسيان أو الإقصاء، وهو أقوى في رحيله من حضوره، وأنه يشكل كلمة سر سحرية تجمع بلحظات عشرات الألوف من الناس، وأنه أصبح في مقام مقدس المساس فيه يتجاوز بدقته وخطورته كل ألاعيب ومناورات السياسة اللبنانية، ويبدو أن الأيام المقبلة ستؤكد هذه المعادلة.
وشكلت الذكرى الأولى مناسبة للتعبير عن الاخلاص والوفاء للمقاومة في زمن تخلى فيه الكثيرون عنها وإلتحقوا بركب المصالح الأخرى، وقد تجسد ذلك بمشاركة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والنائب جهاد الصمد والنائب أغوب بقرادونيان، وممثلين عن بعض التيارات السياسية.
كما شكل التمثيل الرسمي لرئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام عبر الوزير محمد حيدر والنائب علي حسن خليل إعترافا رسميا ووطنيا بالمقاومة وبيئتها وحضورهما الشعبي الكبير، ما يناقض تصرف الرئيس سلام حيال فعالية صخرة الروشة..
وكان لافتا في ذكرى الاستشهاد الحضور القوي لإيران، من خلال مشاركة ممثل المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي والذي ألقى كلمة بإسمه، وحضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السيد علي لاريجاني وما يمثله من موقع متقدم، وكان لافتا، قول السيد لاريجاني أن حزب الله لا يحتاج الى تزويد بالسلاح وهذا سر قوته، ما يعني أننا أمام حزب يصنع السلاح بنفسه وبكل مندرجاته وفي ذلك رسالة عالية السقف للداخل والخارج، خصوصا في ظل سياسة التعتيم الكامل التي ينتهجها الحزب وما يردده البعض عن أنه عاد ليمتلك سلاحا نوعيا سيكون له تأثيره القوي والردعي في أي حرب مقبلة.
وكذلك، فإن السقف العالي الذي تميز به خطاب الشيخ نعيم قاسم في ذكرى الاستشهاد يجعلنا أمام مسألة في غاية الأهمية، وهي أن سلاح الحزب باق مهما كانت الظروف والمعطيات ولو تطلب الأمر الارتقاء الى مصاف “المعركة الكربلائية” وهو غير قابل للمساومة أو للمقايضة، كونه يشكل قوة حقيقية للبنان ينبغي أن يستفيد منه في دحر العدوان وإنهاء الاحتلال، ومن ثم إستثماره في إستراتيجية دفاعية تعزز الأمن الوطني، وتاليا، فإن على أعداء حزب الله أن يحسموا خياراتهم إما بالتسليم بوجود وبقاء هذا السلاح وإما الحرب التي لن تبدل من المعادلات شيئا في ظل وجود السلاح الذي ما يزال يربك إسرائيل ويخيف مستوطنيها في شمال فلسطين، والأيام المقبلة كفيلة بإظهار أي من الخيارات سيعتمد هذا الخارج.
في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، قالت المقاومة كلمتها التي سيسارع كثيرون في الداخل والخارج الى تحليلها وتأويلها تمهيدا لتبنيها أو للرد عليها، لكن ذلك لا يمكن أن يلغي أن للمقاومة شعب يحميها جدد إلتزامه أمس بالوعد الصادق وبصوت واحد بلغ صداه عنان السماء بـ”إنا على العهد باقون”..
Related Posts















