العدوان على قطر يؤدي الى تغيير الأولويات.. ماذا عن لبنان؟!.. غسان ريفي

أدى الاعتداء الاسرائيلي الغاشم على دولة قطر الى تغيير الكثير من الأولويات في المنطقة لمصلحة مواجهة فائض القوة الاسرائيلي والإيديولوجيا الصهيونية العنصرية التي أعلنها نتنياهو صراحة بتحقيق إسرائيل الكبرى وفق المهمة الربانية والتاريخية الموكلة إليه.

اللافت، أن نتنياهو يُخطط ويُعلن ويُقدم خرائط لمشاريعه الاستيطانية بدعم أميركي كامل وإحتضان غير مسبوق من الرئيس دونالد ترامب، في حين أن الدول العربية المهددة بإقتطاع أجزاء وازنة من أراضيها، تسمع ولا تُدرك، وترى ولا تعتبر، وتقرأ ولا تُحرك ساكنا بإتجاه أي إستراتيجية دفاعية مشتركة، في وقت ثبت بالوجه الشرعي أن كل الضمانات الأميركية وكل الأحلاف مع الولايات المتحدة وكل المليارات التي قدمت على طبق من ذهب الى الرئيس الأميركي لم تشفع لقطر في تحييدها عن إنتهاك سيادتها بقصف وفد حماس المفاوض في عمق الدوحة.

تحدث نتنياهو عن الشرق الأوسط الجديد الذي قدم نموذجا منه في قطر، وهو يقضي بحسب التوجهات الاسرائيلية بضرب سيادة أي دولة في المنطقة وتنفيذ عمليات عسكرية فيها لتحقيق أي هدف صهيوني، أو لرد أي تهديد يمكن أن يتعرض له الكيان الغاصب.

ولا شك في أن محاولة نتنياهو قتل الوفد المفاوض لحماس في قطر، كان يهدف الى إعلان الانتصار بالقضاء على الحركة سياسيا والاستمرار في حرب الابادة في غزة وصولا الى تهجير أهلها بعد زعزعة المقاومة بإنهاء قيادتها، ولو أدى ذلك الى قتل الأسرى الذي يشكلون ورقة ضغط مع أهاليهم الذين ينفذون الاحتجاجات المتتالية في تل أبيب على نتنياهو الذي يسعى الى سحبها بما يمكنه من إستكمال حربه بحرية تامة من دون ضغوطات، وإستكمال مخططاته في لبنان وسوريا لإقامة الحزام الآمن حول فلسطين المحتلة، وإيجاد المنطقة العازلة في الجنوب اللبناني تحت غطاء المنطقة الاقتصادية التي تحمل إسم دونالد ترامب.

من هنا، بدت أهمية القرارات التي إتخذتها الحكومة اللبنانية في جلسة الخامس من أيلول بفعل تسوية تمت صياغتها بين رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، وأدت بشكل أو بآخر الى تجميد مفاعيل قرارات جلستيّ الخامس والسابع من آب، من خلال الترحيب بخطة الجيش وعدم ربطها بجدول زمني بعدما أكد العماد هيكل أن دونها صعوبات وعراقيل تتعلق بالامكانات والتجهيزات والاحتلال الاسرائيلي والعدوان المستمر، فضلا عن ربط ورقة توم باراك بالخطوات التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل تجاه لبنان.

وتتجه ورقة باراك بحسب مطلعين نحو الالغاء بعد فشل مهمة المبعوث الأميركي في إنتزاع أية ضمانات من إسرائيل، ما يعني العودة التلقائية الى إتفاق وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024 والذي يؤكد على حصر السلاح في جنوب الليطاني، ويعطي الحق للبنان في الدفاع عن نفسه في حال تم خرق هذا الاتفاق من قبل إسرائيل، ومما عزز من هذا التوجه تضمين بيان مجلس الوزراء في الخامس من أيلول عبارة “حق لبنان في الدفاع عن نفسه وفقا لميثاق الأمم المتحدة”، وهي عبارة تناقض قرار حصرية السلاح الذي ما يزال رئيس الحكومة نواف سلام يؤكد أنه إتخذ وسوف ينفذ، في الوقت الذي تتنامى فيه الاعتداءات الاسرائيلية، وصولا الى تجوال الناطق بإسم جيش العدو أفيخاي أدرعي في مناطق الجنوب وإطلاق الاستفزازات للدولة اللبنانية مجتمعة، وقبله رئيس الأركان الذي أكد أن لا تراجع ولا إنسحاب.

أمام هذا الواقع، يبدو أن تغيير الأولويات التي فرضها العدوان الاسرائيلي على قطر سوف ينسحب على لبنان الذي بات أمام هذه التطورات الدراماتيكية بحاجة ماسة الى إعتماد المنطق الوطني الذي يقدم الاستراتيجية الدفاعية على ما عداها، ويؤجل البحث في كل الملفات الى حين الانسحاب الاسرائيلي والالتزام بوقف إطلاق النار، وإنتظار تطورات المنطقة.

كل ذلك، يؤدي الى إرباك رئيس الحكومة نواف سلام الذي بدأ يشعر بأن مهمته تتجه نحو طريق مسدود وأن ما إلتزم به أمام بعض الرعاة بات صعب المنال، ما يدفعه في كل مناسبة الى التحدث بعصبية تُدخله في متاهات عدة، وخصوصا كلامه الأخير عن أنه “غير مستعد للتعليق على كل مسيرة إسرائيلية تدخل لبنان”، وهو كلام من شأنه أن ينزع عنه صفة المسؤولية الوطنية، فإذا لم يُسأل رئيس الحكومة عن العدوان الاسرائيلي فمن يُسأل عنه؟، وكيف يريد نواف سلام حصرية السلاح بيد الدولة وهو غير قادر على التعليق اليومي على دخول المسيرات الاسرائيلية الى لبنان أو حماية اللبنانيين منها؟، وكيف يريد إستعادة قرار السلم والحرب، وهو غير قادر لا على إتخاذ قرار الحرب ولا على إتخاذ قرار السلم ولا على إتخاذ قرار مواجهة إسرائيل؟.

ربما يحتاج نواف سلام الى قسط من الراحة لقراءة معمقة للمستجدات والتطورات، عله يتجه نحو تبديل الأولويات تيمنا بمن يتخذهم رعاة لمسيرته.

 


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal