جهود التسوية مستمرة.. خدعة جديدة أم نهاية الحرب؟!.. غسان ريفي

إذا كان العدوان الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية قبل أيام قد أعطى دفعا للذهاب نحو التسوية بعد سحب مبررات الحرب من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإن الرد الإيراني بإستهداف قاعدة العديّد الأميركية في قطر قد ساهم في تعزيز هذه التسوية التي بُذلت جهود كبيرة لتثبيتها شارك فيها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أن يتولى الأول إقناع إيران بوقف إطلاق النار مقابل أن يطلب الثاني من نتنياهو الموافقة على ذلك وإنهاء الحرب، وهذا لم يكن صعبا بعد كل ما شهدته إسرائيل من دمار.

حاولت إيران من خلال إستهداف القاعدة الأميركية حفظ ماء وجهها بالرد على العدوان الأميركي مستخدمة نفس عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاتلات الأميركية على المنشآت النووية، إضافة إلى توجيه رسالة واضحة أنها لن تسكت على عدوان من أي جهة أتى، وهي أبلغت الولايات المتحدة عبر وسطاء أنها “إكتفت بهذا الرد شرط عدم شن هجمات أميركية جديدة عليها”، وقد تبلغت في الوقت نفسه أن “أميركا لا ترغب في إعادة الكرّة”.

كما سعت إيران إلى التخفيف من وقع إستهداف الأراضي القطرية والذي جوبه بحملة إستنكار وتنديد عربية ودولية، حيث أكد المتحدث الإيراني أن “الهدف ليس الاعتداء على قطر ولكن الرد على أميركا”.

تعاملت قطر مع هذا الاستهداف بكثير من الحكمة والهدوء بعدما نجحت دفاعاتها الجوية من إسقاط ١٣ صاروخا إيرانيا من أصل ١٤ تم إطلاقهم حيث إنفجر واحد من دون إحداث أية أضرار مادية أو بشرية، وقد أكدت الخارجية القطرية أنها “تحافظ على العلاقات الأخوية مع إيران لكن ما حصل يحتاج إلى إجتماع سريع مع الاحتفاظ بحق الرد”.

بالتزامن، بدأت المصادر وبعض المسؤولين الأميركيين ووكالات الأنباء العالمية تتحدث عن موافقة إسرائيل وإيران على وقف إطلاق النار، خصوصا بعدما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أن “الحرب إنتهت” متوجهاً بالتهنئة للشرق الأوسط بالسلام ومتمنيا الأمن للطرفين وشاكرا إياهما على تجاوبهما.

في حال كانت هذه الأجواء الايجابية حقيقية، فإنها تدل على عمق الأزمة التي كان يعيشها ترامب جراء مشاركته في هذه الحرب وتعرض قاعدة العديّد الأميركية للقصف، خصوصا في ظل المعارضة الشرسة لدخول الحرب من الحزب الديمقراطي ومن مسؤولين في الحزب الجمهوري، إضافة إلى شريحة واسعة من أنصار ترامب الذين إنتقدوا مشاركته في الحرب ودفع أميركا إلى مغامرة مجهولة وغير محسوبة النتائج خصوصا أن الشعارات التي وصل من خلالها ترامب إلى البيت الأبيض ركزت على تعزيز السلام في الشرق الأوسط وإنقاذ أميركا إقتصاديا.

كذلك، فإن هذه الأجواء تشير إلى أن إسرائيل التي لم تعتد على هذا النمط من الحروب لجهة تعرضها للقصف اليومي وتدمير كل من طالته الصواريخ الإيرانية من أبراج ومؤسسات ومرافق حيوية إقتصادية ومالية وعسكرية ومراكز أبحاث وأبنية سكنية وبقاء مستوطنيها في الملاجئ وإصرار بعضهم على الهجرة من فلسطين المحتلة بأي وسيلة، قد وصلت إلى نتيجة مفادها أنها غير قادرة على الاستمرار بهذه الحرب، لذلك فإنها وجّهت رسائل في أكثر من إتجاه أعربت فيها عن إستعدادها لوقف إطلاق النار.

أما إيران فكانت تتعاطى بردات الفعل للدفاع عن أراضيها بمواجهة العدوان الذي تتعرض له، وفي حال توقف فإنها مستعدة للتوقف.

لكن ما لم يبشر بالخير، هو أن كلام ترامب والمسؤولين الأميركيين ووكالات الأنباء لم يترجم على أرض الواقع، حيث تعرضت طهران مع ساعات الفجر الأولى لأعنف هجوم إسرائيلي منذ بداية هذه الحرب، ترافق مع تهديدات إيرانية بالرد وتأكيد من وزير الخارجية عباس عراقجي أن “القرار النهائي بشأن وقف عملياتنا سيتخذ لاحقا”، فضلا عن التناقض الكبير الذي إتسمت به التصريحات سواء من جانب الأميركيين الذين تحدثوا عن الشيء ونقيضه، وكذلك من الاسرائيليين الذين أكد بعضهم “إستعداد الكيان لوقف إطلاق النار شرط أن توقف إيران هجماتها”، وهذا أمر بديهي بالنسبة للجمهورية الإسلامية.

وما يضاعف من المخاوف في إيران هو إنعدام الثقة بالسلوك الاسرائيلي وبكلام ترامب الذي حاول إلهاء النظام الإيراني بالجلسة السادسة من المفاوضات يوم الأحد ١٥ حزيران الجاري لتمكين إسرائيل من شن عدوانها المباغت فجر يوم الجمعة في ١٣ حزيران، كما أعلن عن منح نفسه إسبوعين لاتخاذ قرار المشاركة في الحرب، قبل أن يباغت إيران بالعدوان على منشآتها النووية الثلاث، فهل تكون الثالثة ثابتة ويذهب ترامب نحو خدعة جديدة ويشن هجوما أميركيا إسرائيليا على إيران لضرب مقدراتها النووية والصاروخية بشكل كامل تحقيقا للأهداف الاسرائيلية؟، أم أنّ الصمود الذي جسدته إيران على مدار ١٢ يوما وإستيعابها للصدمات، وردها المزلزل وغير المسبوق على إسرائيل وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة قد أقنع الأميركي والاسرائيلي معا بضرورة وقف الحرب والذهاب نحو المفاوضات؟

 لا سك في أن الشيطان سيكمن في تفاصيل هذه المفاوضات وقد يدفعها نحو الفشل مجددا، خصوصا أن إيران لا يمكنها الرضوخ لأية شروط تجعلها في موقع المهزوم، كما أن إسرائيل لن ترضى بأن يصار إلى الاعتراف الأميركي بالنظام الإيراني والتفاوض معه مجددا حول المشروع النووي والقدرات الصاروخية لأن ذلك سيؤكد هزيمتها في هذه الحرب التي بدأتها ولم تعرف كيف تنهيها لولا التدخل الأميركي والقطري.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal