ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي، بما ينبغي أن نكون عليه في الساعات المتبقية من هذا الشهر، الذي حظينا فيه بكل ما أودع في هذا الشهر من بركات ونعم وأجر جزيل، بأن لا ينتهي ما كنا نحرص عليه في شهر رمضان وما كنا نؤديه فيه من قراءة القرآن والدعاء وقيام الليل والتوبة والاستغفار، ووقاية لأنفسنا من كل ما يخل بعلاقتنا بربنا والعمل بكل ما يقربنا منه وبالناس وصلة أرحامنا وجيراننا والمؤمنين، ومن مد أيدينا بالخير إلى الفقراء والمساكين وذوي الحاجة، والرحمة لصغارنا وتوقير كبارنا، وبأن نوطن أنفسنا على الاستمرار في ذلك، ليكون شهر رمضان كما أريد له سيداً للشهور لا شهراً كبقية الشهور…
وأن نكثر من الدعاء فيما تبقى من ساعات هذا الشهر بالدعاء: “اللّهمَّ إن كنت رضيت عنِّي في هذا الشَّهر، فازدد عنِّي رضى، وإن لم تكُن رضيت عنِّي فمن الآن فارض عنِّي.. اللَّهُمَّ أَدِّ عَنّا حَقَّ ما مَضى مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ، وَاغْفِرْ لَنا تَقْصِيرَنا فِيْهِ، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مَقْبُولاً يَا أرحم الرَّاحمين”.
وبذلك سنكون أكثر وعياً لمعاني هذا الشهر وأداءً لمسؤوليته ووفاءً له، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات”.
وقال:”البداية من العدوان الصهيوني المستمر والذي يستهدف أكثر من بلد عربي، وهو يستفيد في ذلك من الدعم الأميركي اللامحدود الذي يوفره لهذا الكيان، والصمت العربي الرسمي الذي بات في حالة انعدام وزن، والذي إن لم يتم استدراكه والعمل على مواجهته سيؤدي إلى إخضاع هذه المنطقة وتأمين هيمنة هذا الكيان عليها، ونبدأ مما نشهده في غزة حيث يواصل العدو جرائمه وحصاره لها بهدف تجويع أهلها ومنع سبل الحياة عنها، واستهدافه لمبانيها وبنيتها التحتية لدفعهم إلى الهجرة منها اختياراً أو قسراً، والذي يستكمل في الضفة الغربية حيث يواصل هذا العدو اقتحاماته المتكررة لمدنها ومخيماتها.
وهو مما تشهدُه سوريا، حيث يستمر العدو الصهيوني في العمل على تدمير كل عناصر القوة التي امتلكتها طوال السنوات الطويلة، وفي توسعة دائرة احتلاله لأراضيها والسيطرة على مناطق واسعة واستراتيجية، مستغلاً حالة اللاستقرار التي لا يزال يشهدها هذا البلد، وعدم وجود نيات لدى الحكم للتصدي له.
وهذا ما نراه في اليمن الذي تكفلت الولايات المتحدة الأميركية كبديل من كيان العدو بأن تقوم بمهمة الحرب لحسابه لنصرته لقضية الشعب الفلسطيني ومساندته.
وهذا هو ما نشهده جلياً اليوم في لبنان، حيث يستمر العدو باستهدافه وخرقه لقرار وقف إطلاق النار، عبر الغارات التي تستهدف جنوبه وبقاعه أو اغتيال كوادر المقاومة فيه، ومنعه من إعادة الإعمار وعودة الأهالي إلى المنطقة الحدودية وسعيه لتكريس تواجده في الأراضي التي لا يزال يحتلها، ضارباً بعرض الحائط الاتفاقات والقوانين الدولية، ولعل ما نشهده في هذا اليوم من اعتداءات طالت عمق الجنوب اللبناني بحجة إطلاق صاروخين مجهولين المصدر، بعد الصواريخ التي أطلقت قبل أيام والتي أعلنت المقاومة نفيها لإطلاقها، جاءت لتصب في خدمة هذا الكيان وتحقيقاً لأهدافه في استمرار ضغطه المتواصل على لبنان وفرض شروطه عليه والوصول إلى السلام الذليل الذي يريده، في وقت يستمر صمت اللجنة المكلفة بتطبيق وقف إطلاق النار ومن الدول الضامنة للاتفاق عن أية إدانة لهذا الكيان، ما يُسهم في تشجيع العدو على الاستمرار باعتداءاته ويبرر له جرائمه واستباحته لدماء اللبنانيين وممتلكاتهم.
وهو لا يكتفي بكل ذلك، بل يتمادى في تهديداته لبلدان عربية أخرى حتى تلك التي أقامت علاقات معه والتي تصل إلى الجمهورية الإسلامية في إيران”.
واسف ل ألا “نشهد على الصعيد العربي والإسلامي أية مواقف أو تحركات تشكل ضغطاً على العدو، بل نشهد من يسانده ويبرر له اعتداءاته أو من يسكت على ذلك.
ونحن على هذا الصعيد، نجدد دعوتنا للبنانيين إلى ضرورة التوحد في هذه المرحلة إن على الصعيد الرسمي أو الشعبي لمواجهة ما يهدد هذا البلد من العدو الصهيوني لدفعه إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية من دون أي مقابل سياسي أو أمني، والوقوف صفاً واحداً حتى لا يحصل هذا العدو في هذه المرحلة وبالضغوط التي يقوم بها على ما عجز عن تحقيقه في الحرب، ومن ثم مواجهة أي ضغوط قادمة لجعل هذا العدو يعي أنه غير قادر على النفاذ في ذلك من خلال انقسام اللبنانيين”.
وختم قائلا:”نقف أمام مناسبتين عزيزتين؛ أولها يوم القدس العالمي الذي يأتي كل سنة في آخر جمعة من شهر رمضان، والذي يهدف إلى التذكير بالقدس كقضية أساسية وقبلة للأحرار والتي تشكل عنواناً للقضية الفلسطينية وقضية العرب والمسلمين وكل الأحرار في العالم، وأن تتوحد الجهود لإعادتها إلى حضنها العربي والإسلامي وتأمين حريتها من براثن الكيان الصهيوني وتهديداته لتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وهي التي تواجه اليوم أكبر تحد لها في ظل سعي العدو لطمس القضية الفلسطينية وتهجير أهلها والمس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية.
والمناسبة الثانية؛ هي عيد الفطر المبارك وبداية شهر شوال الذي سيطل علينا وبناءً على المبنى الفقهي للسيد(رض) ولكل الذين يأخذون بالحسابات الفلكية وبوحدة الأفق، فإن يوم الأحد القادم هو أول أيام عيد الفطر المبارك الذي نسأل المولى أن يحمل إلينا هذا العيد تباشير الأمن والأمان والسلام، وأن تندمل كل الآلام والجراح التي عشنا فيها بفقد أعزاء وأرزاق وغير ذلك من ألوان المعاناة”.
Related Posts