حاولت إسرائيل عبر الأميركيين يوم أمس مقايضة لبنان على الانسحاب الكامل من القرى والبلدات اللبنانية المحتلة مقابل البقاء في النقاط الاستراتيجية الخمس التي يضعها العدو نصب عينيه منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ويعمل على تعزيز وجوده فيها وهي: تلة الحمامص، تلة العويضة، جبل بلاط، اللبونة، والعزية.
ولهذه النقاط أهمية قصوى خصوصا أن لكل منها وظيفة إستراتيجية، لجهة إطلالتها على مناطق مختلفة من نهر الليطاني الى ساحل صور الى القطاعين الأوسط والشرقي، حيث يمكن للاسرائيلي المحتل لجبل الشيخ وموقع الرادار أن يفرض رقابة على كثير من المناطق وسيطرته العسكرية عليها.
ويبدو واضحا أن رئيس لجنة المراقبة الدولية الجنرال جاسبر جيفرز الذي زار تل أبيب، تمهيدا للإيفاء بالتعهدات الأميركية بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من لبنان في 18 شباط الجاري، قد عاد بأنصاف حلول، وهي إخلاء القرى والبلدات الحدودية والبقاء في النقاط الخمس، وقد أبلغ جيفرز ترافقه السفيرة الأميركية ليزا جونسون ذلك الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي رفض رفضا قاطعا بإسمه وبإسم رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام تمديد الوجود الاسرائيلي بأي شكل من الأشكال وفي أي منطقة كانت، وأبلغ بري الوفد الأميركي أن عدم الانسحاب سيتسبب بأكبر نكسة للحكومة الجديدة قبل نيلها ثقة مجلس النواب.
الرئيس بري رفع السقف بشكل كبير، عندما أكد أنه “إذا بقي الاحتلال فالأيام ستكون بيننا”، واضعا الأمر في عهدة الدولة اللبنانية وداعيا الجيش الى أن “يقوم بواجبه في جنوب الليطاني أما في ما يخص شمال الليطاني فهذا الأمر يعود للبنانيين ولطاولة حوار تناقش إستراتيجية دفاعية”.
لا شك في أن بقاء الاحتلال الاسرائيلي في النقاط الخمس بعد إنقضاء المهلة الممددة عن الستين يوما، يُعتبر إحتلالا موصوفا وجبت مقاومته بحسب ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد أن كل إحتلال يستوجب مقاومة، وبالتالي فإن تلك النقاط قد تشهد عمليات عسكرية من قبل أبناء البلدات والقرى المجاورة لها ضمن حركات المقاومة الشعبية التي قد تبصر النور قريبا في حال لم تنفع الوساطات والضغوط في دفع الاسرائيلي الى الانسحاب الكامل، فضلا عن إعطاء شرعية للمقاومة للتمسك بسلاحها طالما أن الأرض ما تزال محتلة.
واللافت، أن بعض المكونات اللبنانية التي تطالب بتسليم سلاح المقاومة وترفض أن يتضمن البيان الوزاري لحكومة نواف سلام أي عبارة عن “حق الشعب بالدفاع عن أرضه”، بالرغم من إقرار ذلك في ميثاق الأمم المتحدة، بدأت تبدي قلقها حيال ما يجري لا سيما لجهة عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية في الضغط على العدو، ما دفع بعضها الى الاعلان صراحة عن تبني رغبة الاسرائيلي في البقاء ضمن النقاط الخمس ووضع الانسحاب شرطا لتسليم السلاح، فضلا عن محاولة الاستقواء على شركاء الداخل بما لا يخدم المصلحة الوطنية.
وما يثير الاستغراب، هو الغياب الكامل لرئيس الحكومة نواف سلام منذ مساء أمس الأول، حيث لم يبادر الى نفي التسريبات الاعلامية حول الاتفاق بين لبنان وإسرائيل على تمديد الهدنة الى ما بعد عيد الفطر، كما لم يستنكر خرق إسرائيل لجدار الصوت فوق بيروت لأول مرة منذ وقف إطلاق النار، ولم يحرك وزير الخارجية يوسف رجي لتقديم شكوى الى مجلس الأمن، كما لم يعبر عن موقفه حيال ما نقله رئيس لجنة المراقبة الدولية الجنرال جاسبر جيفرز عن إصرار إسرائيل على البقاء في النقاط الخمس، خصوصا أن هذا الأمر يعتبر من صلاحياته ومن أولى الأولويات السيادية والوطنية، ما ترك سلسلة تساؤلات حول هذا الغياب وأسبابه وخلفياته، في وقت لم تتوان فيه حكومة سلام عبر وزير الأشغال العامة والنقل في منع الطائرة التابعة للخطوط الجوية الايرانية “ماهان” من الوصول الى مطار رفيق الحريري الدولي بالرغم من أنها تقل مواطنين لبنانيين عائدين الى بلدهم.
Related Posts