تعدّ مذكرتا الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بحق الارهابيين بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت وإدانتهما بارتكاب جرائم حرب وضد الانسانية في قطاع غزة، خطوة غير مسبوقة في المجال القانوني الدولي إزاء “إسرائيل” وليس فقط كقرار يطال مسؤولين في أعلى موقع حكومي وسياسي في كيان العدو، فهي المرة الأولى التي تتجرأ فيها المحكمة – وهي أنشئت لتكون أداة بيد القوى العظمى لتطويع الأنظمة المتمردة – وتصدر قراراً بهذا المستوى الصادم بحق أشخاص كانوا إلى حين إصدار القرار يعتبرون انهم خارج سياق المحاسبة والإدانة.
وبمعزل عن المفاعيل القانونية والاجرائية للقرار الدولي الذي يلزم أعضاء المحكمة الـ ١٢٤ بتنفيذ حكم الاعتقال، وإمكان تطبيق هذا الحكم في ظل الحماية الأمريكية التي تمنع إلى اليوم سريان أي إجراء ضد “إسرائيل” ومسؤوليها، إلا أن القرار بحد ذاته يحمل العديد من المؤشرات والتأثيرات المباشرة على الكيان الصهيوني، وأهمها:
ـ تصنيف نتنياهو كشخص ذي سجل إجرامي ومطلوب للعدالة، ما يعرّضه لتقييد حركته على الساحة الدولية خصوصا مع اعلان الكثير من الدول المصنّفة في خانة الصداقة أو التحالف مع “إسرائيل” انصياعها للقرار الجنائي، ويقود بالتالي إلى التسريع بإنهاء حياته السياسية.
ـ المساهمة في تعميق عزلة الكيان الصهيوني في المنظومة الدولية لا سيما مع انضمام دول داعمة تاريخيا لهذا الكيان إلى تأييد قرار المحكمة وأبرزها هولندا وبريطانيا وايطاليا وكندا فضلاً عن تصاعد التوتر الحاصل حالياً بين فرنسا و”إسرائيل”، دون أن نغفل الدور الرئيسي التي لعبته دولة جنوب افريقيا ومن انضم اليها في الدعوى المقامة ضد نتنياهو وإصرارها على المضي بها وصولا لاصدار مذكرتي التوقيف.
ـ ضرب مقولة “الحروب الأخلاقية” التي تدأب “إسرائيل” على ترويجها لتسويغ الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال، ما يعني سقوط الهالة الزائفة التي يحيط مسؤولو العدو أنفسهم بها، والتي يعتقدون أنها تبعدهم عن مقصلة المساءلة والمحاسبة.
ـ شكّل القرار مقدّمة تمهّد لإدانة الادارة الامريكية نفسها التي تصر على إسباغ مظلة الحماية والإحاطة لاسرائيل والتي كان آخرها استخدامها حق النقض لاجهاض قرار أممي يوقف حرب الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو ما يؤكد شراكة واشنطن في جرائم الحرب التي ترتكبها “إسرائيل”.
ـ إرسال إنذار إلى ما يسمّى المجتمع الدولي التي تهيمن عليه واشنطن بأنه لم يعد هناك مجال لإغفال ما تقوم به “إسرائيل” من جرائم متمادية بحقوق الإنسان والمرأة والطفل وحتى الحيوان، دون رادع قانوني أو وازع أخلاقي، وأن الإمعان في تبرير هذه الجرائم من شأنه ضرب قواعد الاستقرار في المنطقة والعالم وتشريع سيادة شريعة الغاب وتسويغ حكم القوي الظالم على الضعيف المظلوم.
من المؤكد أن مذكرتي التوقيف الدوليتين بحق نتنياهو وغالانت لن تأخذا طريقهما للتنفيذ لانتفاء قدرة المحكمة الجنائية على ذلك، فضلاً عن استنفار واشنطن أسلحتها العقابية والدبلوماسية لتهشيم المحكمة وفق ما وعد به الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ولكن لا يمكن بأي حال التقليل من أهمية هذا القرار وتأثيره على مستقبل نتنياهو نفسه وعلى باقي مسؤولي العدو الذين باتوا معرّضين في أي وقت لادانتهم، والدلائل الجرمية التي تشيح واشنطن النظر عنها موجودة ومتوافرة بالصوت والصورة وبشهادة مؤسسات الامم المتحدة التي لا تعترف بها “إسرائيل” وتتجه الولايات المتحدة إلى تقويض صلاحياتها.
Related Posts