الرهان على إسرائيل.. التاريخ يعيد نفسه!!.. وسام مصطفى

يعدّ الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢ محطة فاصلة في تاريخ لبنان، وأفرزت تطوّراته العسكرية والسياسية تحوّلات جذرية، أبرزها نفي قادة المقاومة الفلسطينية ومقاتليها إلى جهات الأرض العربية واحتجاز من تبقى في مخيمات أشبه بالسجن الطوعي، فيما نصّب الاحتلال رئيساً “متعاوناً” للبلاد رغماً عن أنف ممثّلي الشعب والشعب نفسه، وأضحى سلاح المقاومة الوطنية دفين البساتين والحفر المستحدثة على عجل، فيما تحوّل معظم الفصائل والأحزاب من خيار الفعل العسكري إلى نهج الحراك السياسي تماشياِ مع الأمر الواقع.

اعتقد جميع من تورّط في إسقاط لبنان آنذاك في الخارج والداخل والشرق والغرب ومعظم العرب أن العقدة الكأداء أمام تحقيق “السلام الإسرائيلي” قد زالت مع زوال سلاح المقاومة وانضمام لبنان إلى بوتقة التسوية الشاملة بشروط أمريكية وقيود أسرائيلية تجعل من البلد ساحة خلفية لاسرائيل ورصيف ترانزيت على سواحل البحر الابيض المتوسط.

نهضت المقاومة من جديد بشقيها الوطني المتجذر والاسلامي المستجدّ وفرضت تحوّلات جديدة أعادت لبنان إلى محورية الصراع واستعادت دوره المتحرك في تحديد بوصلة الاتجاهات، وعلى مدى ١٨ عاماً قاتلت هذه المقاومة على جبهتين، الأولى ضد الاحتلال حتى فرضت التحرير عام ٢٠٠٠، والثانية مع قوى الداخل التي راهنت على “إسرائيل” لتحقيق أهدافها العنصرية والانعزالية وسلخ لبنان عن هويته العربية.

فرض لبنان نفسه لاعباً أساسياً في ساحة المعادلات الكبرى، ولكن لم تنتهِ فصول الحرب بل انتقلت إلى طور أشمل وأشرس مع بدء تشكّل جبهة المقاومة بديلاً عما كان يسمى محور “دول الطوق” وبرز حزب الله قوةً فاعلةً في سياق المعركة فيما تموضعت باقي حركات المقاومة في مواقع سياسية تبعاً لتغيّر موازين القوى العالمية وطغيان التوحش الامريكي وتعمّق التغريبة الفلسطينية في قضيتها وحدودها الجغرافية والبشرية.

أنجزت المقاومة وعلى رأسها حزب الله الانتصار الأكبر في العام ٢٠٠٦ وأهداه الشهيد السيد حسن نصر الله للبنان وشعبه وحفظ الأرض وحرّر الأسرى وأرسى معادلة “توازن الرعب” وحارب التكفيريين وأحبط سعيهم “لسبي” لبنان، وتقدّم حركات المقاومة على مدى ١٨ عاماً وصولاً إلى “طوفان الأقصى” ومعركة “أولي البأس”، وقدّم تضحيات ثقيلة بدءا باغتيال “إسرائيل” لقادته الكبار وعلى رأسهم السيد نصر الله نفسه إلى تدمير القرى لبيئته في الجنوب والبقاع والضاحية، فيما يكابد أبناء هذه البيئة معاناة التشرد والنزوح.. فما الجديد؟!

يخوض لبنان اليوم – وليس فقط حزب الله – معركة وجود بكل أبعادها ومستوياتها، ويتهدّده خطر إزالته عن الخارطة وفق المشروع التوسعي الاسرائيلي، وما يجري في قطاع غزة نموذج عن هذا الخطر، وفيما يبدو ان الحزب لوحده يخوض هذه الحرب إلا أن التهديد يطال كل لبناني عاجلاً أم آجلاً ما يطرح تساؤلاً عن واجب الدولة أولاً والأحزاب الوطنية ثانياً في سياق التصدي لهذا الخطر، وإذا كان فقدان السلاح مبرّراً لعدم النهوض فلا بد ان نتذكر ان لبنان كله كان مجردا من السلاح في العام ١٩٨٢ واستطاع أن يراكم قواه ويحقق الانتصارات، فكيف به اليوم وهو يحقق المعجزة في كسر أعتى قوة في المنطقة تدعمها أعظم قوى في العالم وتمنعها من الثبات في شبر واحد على أرض الجنوب!؟

قد يكون العدو قد نجح في رسم زنار من النار والدمار بفضل تفوق سلاحه الجوي ولكنه يعجز في الميدان عن تحقيق أي انجاز، ويحمل هذا المعطى لوحده الكثير من الرسائل للحليف والصديق والخصم، وأولها أن لبنان قادر بمقاومته أن يجدد كسره للعدو، ولكن وحشية العدوان وفداحة الخطر المحدق بالبلد تستوجب من الجميع دعم خيار المقاومة بالقول والفعل في الميدان السياسي او العسكري وليس فقط احتضان بيئة المقاومة التي لم ولن تكون إلا حاضنة لهذا الخيار لأنه يعبّر عنها ويمثلها.

وثاني الرسائل للخصوم الذين بكّروا كثيراً باستعجال الحصاد الاسرائيلي والذهاب بعيداً في دعوات الفتنة وضرب أسس المواطنة، وهذا يدلّ على أن القوى التي راهنت على “إسرائيل” في العام ١٩٨٢ تستعيد رهانها ليعيد التاريخ نفسه مع جرعة فائقة من خطاب الانعزال والعنصرية دون احتساب “خط الرجعة” أو الحفاظ على “شعرة معاوية”.

صحيح أن قرار الحرب يجب ألا يكون حكراً على جهة، ولكن هذا القرار يصبح مشروعاً حين تصبح القضية متعلقة بإزالة كيان ومحو تاريخ واستعباد بلد بمؤسساته وأبنائه، وكذلك قرار السلم (أو الاستسلام) يجب ألا تحتكره جهة لم تعد تخجل بشعاراتها الفئوية ودعواتها للتقسيم السافر او المقنّع، فلبنان الذي انتصر بمقاومته وصمود شعبه سيعيد كتابة التاريخ من جديد وهذه المرة بحروف كبيرة ، وقد لا يجد هؤلاء لهم مكاناً في منظومة الانتصار وسيجدون أنفسهم معزولين من جديد، لأنهم يثبتون يوماً بعد يوم أنهم بالفعل لا يشبهون نظرائهم في الوطن إلا في بطاقة الهوية.. فحريّ “بأبناء الوطن” أن يعودوا إلى الوطن ويحموا الوطن الذي هو للجميع .. حتى لا يلعنهم التاريخ..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal