سجّل مؤشر مديري المشتريات (PMI) أدنى مستوى له في لبنان منذ شباط 2021، وانخفض من 47.0 نقطة في أيلول الماضي إلى 45.0 في تشرين الأول 2024، وعاد إلى المستوى الذي كان عليه في قبل أربع سنوات تقريباً، بعد سلسلة الانهيارات المالية والنقدية والمصرفية اعتباراً من خريف العام 2019، والإغلاقات في ظل جائحة كوفيد في العام 2020، وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
وفي ظل انكماش اقتصادي مستمر منذ العام 2018، تعمل الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان لتعميق الأزمة كثيراً. ووفقاً لسيناريو وضعه معهد التمويل الدولي فإن تصعيد الحرب واستمرارها حتى العام المقبل سوف تؤدّي إلى انكماش الاقتصاد اللبناني بنحو 10% في العام 2025.
ويُفسّر هذا الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بانخفاض حادّ متوقّع في الاستهلاك الخاص، إذ غادر أكثر من 12% من السكان ومن ضمنهم لاجئين سوريين، البلاد واضطر عشرات الآلاف من العمّال وأصحاب المشاريع لمغادرة أماكن عملهم ومساكنهم وأقفلت أو دُمِّرت أو تضرّرت آلاف المؤسسات والأراضي الزراعية، فضلاً عن الانخفاض الكبير في صادرات السلع والخدمات.
واذا استمرت الحرب طوال العام 2025، فهذا سوف يؤدي إلى انكماش النمو بنسبة 15% على الأقل في العام المقبل.
بالفعل، مع تصعيد الحرب الإسرائيلية وتوسيع نطاقها، انخفض الطلب في شهر تشرين الأول الماضي، بأسرع وتيرة له في السنوات الأربع الأخيرة، وتركّز معظم الاستهلاك على شراء الاحتياجات الأساسية.
وسُجِّلت طلبيات التصدير الجديدة أشدّ انكماش لها منذ أيار 2020، إذ أجبرت الحرب العملاء الدوليين على الشراء من دول أخرى وتفادي المخاطر وارتفاع تكاليف الشحن من لبنان وإليه.
كذلك، انخفض نشاط مطار بيروت الدولي للشهر العاشر على التوالي، كما انخفض نشاط الحاويات في المرافئ اللبنانية، وأظهرت الأسعار وتكاليف الإنتاج ومعدّلات البطالة والهجرة منحى تصاعدي.
كل ذلك، يؤشّر إلى تدهور نشاط القطاع الخاص اللبناني بشدّة، وهو ما يعكسه مؤشر مدراء المشتريات، الذي يبيّن نشاط الأعمال في القطاع الخاص عبر استطلاعات شهرية لمدراء الشركات، لقياس مستويات الإنتاج والتوظيف والطلبات الجديدة والأسعار والتكاليف والجوانب الأخرى للنشاط التجاري.
تعدّ مجموعة S&P العالمية مؤشر مدراء المشتريات (PMI)، لصالح «”لوم إنفست”، عبر ردود مدراء المشتريات في 400 شركة في لبنان، في قطاعات الزراعة والتعدين والتصنيع والإنشاءات والبيع بالجملة والتجزئة والخدمات. وتتناول أسئلة الاستبيان الشهري 13 مؤشراً فرعياً، ويتراوح كل مؤشّر بين 0 و100، ويشير المعدّل الذي يزيد عن 50 إلى نمو محقّق بالمقارنة مع الشهر السابق، أما المعدّل الذي يقلّ عن 50 فشير إلى تراجع في النمو.
ويجري احتساب المؤشر العام كمتوسط لخمسة مؤشرات هي: الطلبات الجديدة (30%)، الإنتاج (25%)، التوظيف (20%)، مواعيد تسليم الموردين (15%) ومخزون المشتريات (10%).
الإنتاج والطلب
انخفض النشاط التجاري لشركات القطاع الخاص اللبناني في خلال تشرين الأول 2024 بشكل حادّ، وبأعلى معدّل منذ شباط 2021، وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان كسبب أساسي لتراجع النشاط التجاري، كونها ضاعفت انعدام الأمن وعدم اليقين السياسي وضعف القوة الشرائية.
وأظهرت بيانات شهر تشرين الأول 2024 انخفاضاً ملحوظاً في كمّية الطلبيات الجديدة التي استلمتها شركات القطاع الخاص اللبناني، وكان معدّل الانخفاض الأكبر منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، ما عكس تدهور المبيعات في عدد كبير من القطاعات.
وسجّل مؤشر طلبيات التصدير الجديدة انخفاضاً يتجاوز 13 نقطة، وبلغ أدنى مستوى له منذ شهر أيار 2020، وقدّمت شركات القطاع الخاص اللبناني توقّعات متشائمة بدرجة أكبر بشأن الأعمال المستقبلية، إذ توقعت 84% من الشركات المشاركة في المسح تراجع النشاط التجاري خلال 12 شهراً مقبلاً.
الشراء والمخزون
وبدأت الشركات تستنفد مخزونها من البضائع والمواد، فقد انخفض مخزون المشتريات لدى شركات القطاع الخاص في خلال تشرين الأول للمرة الأولى منذ أيار 2024، وكان معدّل استنفاد مخزون المشتريات الأعلى منذ شهر أيلول 2020.
وتواجه الشركات مشاكل في تعويض مخزوناتها مع تراجع شرائها لمستلزمات الإنتاج، فقد انخفض مؤشّر حجم المشتريات بوتيرة سريعة مسجّلاً إلى مستوى 50 نقطة في تشرين الأول 2024، وكان معدل الانخفاض في الأنشطة الشرائية الأعلى منذ تموز 2021، وفي كثير من الحالات خفّضت الشركات اللبنانية أنشطتها الشرائية استجابة لتراجع الطلب من جانب العملاء، وأشار بعض الشركات إلى أن الحرب في لبنان دفعتها إلى عدم شراء أي مواد.
وما يزيد الطين بلة أن أداء الموردين قد تدهور في بداية الربع الرابع من العام 2024، فقد طالت مواعيد تسليم الموردين إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام ونصف العام، وأشار الاستطلاع إلى أن المخاوف الأمنية نتيجة الحرب أعاقت حركة البضائع في لبنان.
وتعاني الشركات من تضخم في أسعار مستلزمات الإنتاج للشهر الثالث على التوالي، وبلغ مؤشر الأسعار أعلى مستوى له منذ آذار 2023.
ويأتي هذا إثر زيادة الموردين لإيراداتهم، إذ أشارت بيانات المسح الأخيرة إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد التي اشترتها شركات القطاع الخاص اللبناني وكان معدل تضخّم أسعار المشتريات الأعلى منذ 19 شهراً وسجّلت 6% من الشركات ارتفاعاً في أسعار الشراء في مقابل 1% من الشركات فقط سجّلت انخفاضاً في أسعار الشراء.
كذلك، سجّلت أجور الموظفين ثباتاً في شركات القطاع الخاص، فيما رفعت الشركات أسعار سلعها وخدماتها في بداية الربع الرابع من العام 2024 استجابة لارتفاع الضغوط التضخّمية على الأسعار، وكان معدل ارتفاع أسعار الإنتاج الأعلى منذ شهر آذار 2024.
وبالتحديد، رفعت 4% من الشركات المشاركة في المسح أسعار سلعها وخدماتها بينما لم تسجّل 96% من الشركات أي تغيير في أسعار سلعها وخدماتها.
(منصة صفر)
Related Posts