تطورات ميدانية متسارعة تفرضها مجريات الميدان على جبهة النزال التي تخوضها المقاومة في لبنان بمواجهة التحالف الدولي – العربي وأداته “إسرائيل”، ولا نبالغ في القول إن ما تحمله هذه التطورات يخالف سياق المنطق والتوقعات ويدوّن واحدة من التجارب الفريدة خارج المعادلات المعهودة لخلاصات الحروب.
ما يدفع لهذا القول، هو أن المقاومة في لبنان التي اغتال العدو قادة الصف الأول فيها بشكل دراماتيكي كانت لترفع الراية البيضاء لما يتركه هذا المستوى من الاغتيال من أثر على مجمل التشكيلات التنظيمية الأخرى، دون أن نغفل ترافق ذلك مع اجتياح شامل لبيئة هذه المقاومة على كل الصعد السياسية والاعلامية فضلاً عن النكبة الانسانية الناتجة عن تشرذم مجتمع المقاومة وبنيته الاقتصادية.
سبق أن اعتمدت “إسرائيل” هذا الأسلوب في حروب سابقة ضد المقاومة وبيئتها مدعومة بالتحالف نفسه الذي يشارك فيه ويغطيه بعض العرب، والهدف الثابت القضاء على حزب الله ومحو القضية الفلسطينية وإعادة رسم خارطة المنطقة وتشكيل أنظمتها بوجه جديد بما يكرّس التبعية لأمريكا وينصّب “إسرائيل” شرطياً للنظام العالمي على غرار ما كانت تمثله إيران أيام الحكم “الشاهنشاهي”، ولكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف واستتبع هذا الفشل تزخيماً أكبر وتوسعاً أكثر لمحاور جبهة المقاومة.
أما اليوم فإنها “حرب القيامة” كما أسماها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بما يعني أنها الحرب الشاملة التي لن تقف عند حد معركة محدودة الأهداف والأطر، فهي بحسب نتنياهو أيضاً حرب وجودية تخوض فيها “إسرائيل” حرب العالم على المقاومة بكل القدرات العسكرية والأمنية والتكنولوجية ومؤازرة كونية غير مسبوقة، ولكن للميدان كلمة أخرى فمنذ زلزال تفجيرات البايجر في ١٧ أيلول ثم أجهزة الاتصال اللاسلكية وبدء الحرب البرية والتدمير الهستيري للقرى والمدن في الجنوب والبقاع والضاحية، ومشاركة ٦ ألوية لجيش الاحتلال واستدعاء أكثر من ٧٠ ألف جندي إلى شمال فلسطين حتى اليوم، لم يستطع العدو من تحقيق أي إنجاز فعلي سوى توغلات محدودة لبعض القرى المدمرة تماماً عند الحدود لم تتجاوز عمق ٣ كيلومترات.
في المقابل، كبّدت المقاومة العدو خلال ٢٠ يوماً من القتال الضاري مئات القتلى وآلاف الجرحى وعشرات الدبابات المدمرة على مختلف محاور الجبهة من الجولان إلى الناقورة، وأكدّت ثوابت المعادلة التالية:
– إقفال منافذ التقدّم البري وإفشل كل محاولات التوغل الإسرائيلي رغم عدم التكافؤ في العديد والعتاد والتفوق الجوي والتكنولوجي للعدو.
– ضرب التجمعات العسكرية للعدو المزدحمة في شمال فلسطين وإرباك خططه في الإطباق على خطوط الجبهة.
– تدمير معظم مستوطنات الشمال وتحويلها إلى مناطق غير صالحة للحياة ردا على تدمير القرى والبلدات على الحافة الجنوبية للبنان.
– إلحاق دمار هائل في مدينة حيفا ونقل خط التماس من مستوطنات الشمال إلى حدود ما بعد حيفا بما يعني توسيع مناطق تهجير الصهاينة الذين وعدهم نتنياهو بإعادتهم إلى مستوطناتهم.
– استهداف المواقع الحيوية والمراكز العسكرية في عمق الاراضي المحتلة تاكيداً على ما جاء في بيان المقاومة بأن لم يعد هناك مكان آمن في “إسرائيل” ولا تطاله ضربات المقاومة.
– تفعيل سلاح الجو لدى المقاومة من خلال استخدام المسيّرات المتطورة التي أصابت قلب تل أبيب ومحيطها على بعد أكثر من ٧٠ كيلومترا دون ان تفلح المنظومات الصاروخية للعدو من اعتراضها.
– تأكيد المقاومة أنه لم يعد هناك من خطوط حمراء ولا قواعد اشتباك في سياق المواجهة، وأن ما يحاك من استثمار سياسي وعسكري مستعجل لمرحلة ما بعد المقاومة في لبنان لا مكان له في حسابات الميدان وهو ضرب من ضروب المقامرة الخاسرة.
ويبقى التطور النوعي الأهم في سياق المرحلة الجديدة لتصاعد عمل المقاومة هو استهداف مقر إقامة نتنياهو في قيسارية للمرة الثانية بعد نجاح الضربة الجوية المباشرة لمقر لواء غولاني في بنيامينا وما أسفرت عنه من قتل وجرح عشرات الجنود الذين كانوا يتأهبون للانضمام إلى ألوية الشمال، ويعني ذلك في القراءة الأولى أن نتنياهو أصبح هدفاً أول للمقاومة فضلاً عن باقي أعضاء حكومته الإرهابية، وبات عليه أن يأمن على نفسه للبقاء في منزله قبل أن يطلق وعوداً واهية بإعادة المستوطنين إلى الشمال، ولنا أن ننتظر كلمة الميدان والمفاجآت التي وعدت المقاومة بتنفيذها ليكون الحدث ما نرى وليس ما نسمع.
Related Posts