في الرحلة من بروكسيل الى بيروت على متن طيران الشرق الاوسط يوم السبت الماضي، كان معظم الركاب لبنانيين الى بعض السوريين واجنبي واحد، والقاسم المشترك انشغال البال من مخاطر قد تطرأ بفعل العنجهية الاسرائيلية ووجع على بلد منا من غادره قبل ايام قليلة ومنا من له العديد من الاشهر او السنوات خارجه، اما الحديث الابرز بين الركاب القلة العائدين كان عن مصير الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اذ عندما احتضنتنا الطائرة لم يكن قد صدر بيان زفه شهيداً على طريق القدس، وبالتالي لم يكن احد منا على دراية بحقيقة استشهاده.
غطت الطائرة في مطار بيروت الدولي الصابر والصامد رغم خطورة الوضع وفتحنا اجهزة الخلوي ليصدمنا الاعلان عن تمكن العدو الاسرائيلي من اغتياله المترافق مع نعي الحزب له، ما ادى الى بلبلة وسط مغادري الطائرة الى اماكن متفرقة من لبنان اذ اعتبرت ابنة المتن ان لبنان لا يستحق ما يحصل، فيما اكد ابن طرابلس الذي انهى ستة اشهر من التمرين في بلجيكا ان الخسارة كبيرة، مشيراً الى ان العدو الاسرائيلي يمارس فائض القوة امام نظر العالم اجمع الذي لم يحرك ساكناً وان اغتيال السيد سيفتح ابواب جهنم.
فتاة من الجنوب تحجرت دمعة في عينيها وعمدت الى قراءة الفاتحة متمنية الا يكون ما سمعته صحيحا.
ابن الجبل وابن زغرتا وابنة بيروت وراكبة سورية مع طفلتها اعتبروا ما حصل خيانة ويجب كشف مرتكبيها.
في مطار بيروت في تلك اللحظات غطت طائرتان بعدد قليل من العائدين فبدا المطار حزيناً بغياب رهجة الاستقبال للعائدين وبتراجع عدد سائقي “التكاسي” الذين كانوا سابقاً يتزاحمون على الركاب، فالخوف من الغارات المعادية على الضاحية الجنوبية دفعهم الى العمل على خطوط اخرى تحسباً من غارات متوقعة وهذا ما حصل بالفعل طوال مرورنا بالضاحية حيث شهدت المنطقة على اربع غارات.
توغلاً في بيروت نازحون يفترشون الارض عند ساحة الشهداء واخرون على الارصفة في مشاهد تدمي القلوب وتدفع للتساؤل اين ضمير العالم مما يجري في لبنان؟ اين الانسانية؟ وبأي يحق يسمح للعنجهية الاسرائيلية ان تتمادى الى هذا الحد وهل بات العالم اصم واخرس ويقف الى جانب الجلاد لا الضحية؟.
استرجعت في هذه اللحظات بعض ما شاهدت في بروكسيل حيث مقر الاتحاد الاوروبي وحيث تتكاثر امامه التظاهرات المنددة بما يجري في لبنان وفلسطين وحيث تقريباً في كل شارع من شوارع هذه العاصمة الاوروبية ترتفع اقله على منزل او منزلين الاعلام الفلسطينية او اللبنانية ما يعكس ان الشعوب في مكان والحكام في مكان آخر.
العودة من بلجيكا ليس كما الذهاب اليها ففي الذهاب وعندما غطت الطائرة بسلاسة في مطار بروكسيل هلل الجميع وصفقوا وصرخت سيدة “شاطرين والله شاطرين”
وفعل الشطارة هذا قصدت به السيدة قبطان الطائرة الذي هبط بنا بمهنية عالية في المطار كما يحصل دائماً مع قباطنة طائرات شركتنا الوطنية التي تشعر بداخلها انك في وطنك وبين ناسك واهلك على ارتفاع الاف الاقدام والتي ابتسامات مضيفاتها لا تفارق ثغرهن ودائما في الخدمة لتلبية اي طلب وللمساعدة في اي حاجة طارئة.
في الاياب كانت الوجوه قاتمة وكان الهدوء الحذر يخيم على الركاب الذين عندما حطت الطائرة بسلاسة لم يهلل او يصفق اي منهم اذ كانت الصدمة كبيرة اذ تأكد خبر استشهاد السيد حسن نصرالله.
Related Posts