نجح بنيامين نتنياهو في تحويل الجبهة اللبنانية إلى بؤرة مشتعلة تنصرف إليها أنظار عواصم القرار الدولي، وفي جعل “إسرائيل” نقطة الجاذبية التي ترسي دعائم استقرار النظام العالمي.
وهذا الانصراف ليس نابعاً من تهافت هذه العواصم لمعالجة واقع ميداني محدود وتلافي إمكان تدحرجه الى حرب اقليمية ثم عالمية بقدر ما هو نابع من خشيتها على تزعزع فعالية الدور الاسرائيلي ووظيفته في الحفاظ على مصالح المنظومة الدولية في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية.
بديهي القول إن “إسرائيل” تشكل رأس الحربة في ضمان وتأمين ديمومة هيمنة الدول الكبرى على المنطقة، وهذا ما يدفع هذه الدول إلى إبقائها في موقع التفوق النوعي الشامل على سائر الأنظمة المحيطة، وهذا ما يعيه نتنياهو جيدا ويبني عليه سياسته في ابتزاز هذه الدول سعياً لمكاسب تكتيكية واستراتيجية، وتثوير مجتمعه المحارب بذريعتين، الأولى: القتال لتحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى”، والثانية ربطاً بالاولى: إنقاذ “إسرائيل” من خطر الزوال.
هنا تكمن معادلة التجاذب الايجابي بين نتنياهو وداعميه الذين باتوا ينظرون الى الكيان الصهيوني باعتباره جزءاً مكملاً لمشروع الهيمنة الدولية، لكن التجارب المتدرجة على مدى السنوات الاربعين الماضية في مجريات المواجهة على جبهتي فلسطين لبنان أظهرت الكثير من مكامن التصدّع في هيكل هذا المشروع بما يدفع الدول الكبرى الى استنفار قدراتها كلها لمحاولة استدراك الانهيار.
وإذا ما أردنا إسقاط ما سبق على التطورات الجارية منذ ٧ أكتوبر حتى اليوم نرى أن إقدام نتنياهو على رفع سقف التصعيد باتجاه شن حرب على لبنان بموازاة الحرب على غزة يؤشر بوضوح إلى عمق الأزمة التي وصل إليها كيانه المؤقت للمرة الأولى خلال أكثر من سبعين عاماً، وبالتالي لم يعد أمامه من خيار إلا توجيه المسدس إلى رأسه على غرار لعبة “الروليت” الروسية، وهو يعلم تماماً خطورة انزلاق الوضع إلى الحريق الكامل.
يعلم نتنياهو تماما حجم المقامرة التي يخوضها في الدخول بمواجهة مباشرة مع المقاومة في لبنان وما قد تستدرجه من مواجهة شاملة مع جبهة المحور، ولا يبعد أنه يستغل حقيقة أن لا أحد من حلفائه وخصومه يريد الدفع بالمنطقة إلى حرب شاملة، ولذا فهو يرقص على حافة الهاوية أملاً في استدراج تسوية دولية برعاية أمريكية (جمهورية كانت ام ديمقراطية) لإخراجه من عنق الزجاجة، أما بالنسبة للمقاومة في لبنان فهي تؤكد جهوزيتها لمواجهة أي سيناريو مهما علا سقفه أو دنا.
لا يمكن إنكار نجاح العدو في تحقيق بعض النقاط لصالحه مستعينا بالقدرات التكنولوجية الهائلة والاحاطة الاستخبارية الشاملة، سواء في مجزرة “البيجر” وأجهزة الاتصال اللاسلكية او باستهداف كبار القادة، ولكن أفضل ما أنجزته هذه النقاط تمثل في نجاح المقاومة بتوسيع نطاق الاستهداف داخل فلسطين المحتلة وتهجير المزيد من المستوطنين نحو الوسط، واستخدام حجم أكبر من الصواريخ لتطال تل أبيب، وصاروخ “قادر ١” هو بمثابة بروفة تلقفها العدو لما يمكن أن تفعله الصواريخ الأكثر فتكاً في مسار الحرب الكبرى إذا حصلت.
تنص القاعدة على ان العبرة في الخواتيم وليس فقط في المقدمات.
Related Posts