لملمت المقاومة الاسلامية في لبنان جراحها، وإستوعبت الهجوم الاسرائيلي السيبراني غير المسبوق، والذي حصد تسعة شهداء والآلاف من الجرحى في مناطق مختلفة شهدت إنفجارات متزامنة لأجهزة “البيجر” التي تُستخدم ضمن شبكات الاتصالات الخاصة، ويعتمد عليها حزب الله في العديد من مؤسساته بما في ذلك إيصال الرسائل الى كوادره وعناصره.
تساؤلات بالجملة طرحتها هذه العملية الأمنية التي ترقى الى “جرائم الحرب وضد الانسانية” كونها إستهدفت اللبنانيين بشكل أفقي، خصوصا لجهة كيفية تفجير هذه الأجهزة، وهل هي كانت مفخخة قبل وصولها الى لبنان بزرع شرائح متفجرة فيها؟، أم أنه تم برمجتها من المصدر بشكل تستطيع التقنيات الخبيثة أن تتحكم بها وتفجرها؟، أم أنها كانت تخضع لما يُعرف بـ”سلاسل التوريد” التي يمكن التحكم فيها عن بعد بإرسال موجات راديو تطلق من مسيرات أو طائرات أو محطات تكنولوجية تسخن بطاريات الأجهزة تمهيدا لتفجيرها؟، أم أن هذه الأجهزة تعاني من ثغرات تمكنت إسرائيل من الدخول إليها وتفجيرها في وقت واحد؟..
الموضوعية تقتضي القول، إن العملية الاسرائيلية كانت قاسية وموجعة بالشكل والمضمون، وأظهرت أن العدو يمتلك دعما تكنولوجيا كبيرا جدا توفره له الدول الحليفة وعلى رأسها أميركا التي تضع إمكاناتها عشية إنتخاباتها الرئاسية بتصرف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وما تصريحاتها حول ضرورة خفض التصعيد وعدم الانجرار الى حرب مفتوحة سوى “ذر للرماد في العيون”.
كما تقتضي الموضوعية القول إن المقاومة الاسلامية في لبنان ليس لديها خيار سوى الرد العنيف والموجع على هذه العملية الآثمة، ما سيطرح تساؤلات إضافية حول كيفية هذا الرد وماهيته وتوقيته، فضلا عن ضرورة تفعيل قوة الردع وتوازن الرعب، خصوصا أن كل الالتفاف الشعبي اللبناني والعربي والاسلامي حول نهج المقاومة قد يتعرض للإهتزاز إذا لم يكن الرد على مستوى الحدث الجلل.
لا شك في أن عملية أجهزة “البيجر” جاءت بالتزامن مع التهديدات الاسرائيلية المتنامية بتنفيذ عملية عسكرية في الجبهة الشمالية، تهدف الى إعادة المستوطنين النازحين، وتوفير الأمن لهم، لأنه وبحسب التهديدات الاسرائيلية لا يمكن التعايش مع الواقع القائم في الشمال، ومع تنفيذ العملية ظن البعض أن الآلة العسكرية الاسرائيلية ستتحرك بإتجاه لبنان لترجمة هذه التهديدات والبدء بالمعركة المفتوحة، لكن تبين أن إسرائيل لم تجرؤ على تبني العملية بشكل واضح وصريح، وألزمت وزراءها الصمت عبر توجيهات مجلس الأمن القومي، وتمت دعوة الحكومة الى الانعقاد في أحد الأقبية برئاسة نتنياهو وحضور وزير الدفاع يوآف غالانت، خوفا من ردة فعل المقاومة على هذا الاستهداف غير المسبوق.
ما حصل يؤكد أن إسرائيل ليست بصدد تنفيذ تهديداتها بخوض الحرب المفتوحة، خصوصا أنها تزداد قناعة بقدرة المقاومة على إستهداف أي موقع في أي مكان من الأرض الفلسطينية المحتلة، بعد “عملية الأربعين” ردا على إغتيال الشهيد فؤاد شكر، حيث وصلت المسيرات التقليدية الى تخوم تل أبيب، ما يعني أن كل ما قبل ذلك هو تحت مرمى نيران المقاومة التي أكدت الوقائع أنها نجحت في إستهداف قاعدة “غيليلوت” وإصابتها بست مسيرات إنقضاضية، وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بحسب مصادر أوروبية مطلعة، ما يؤكد أن هدف إسرائيل بحماية شمال فلسطين لإعادة النازحين إليه لا يمكن أن يكون بالحرب، لأن المقاومة لن تتوانى عن تدمير كل المستوطنات في الشمال وإجبار إسرائيل على نقل مئات الآلاف من مستوطنيها الى عمق فلسطين المحتلة.
لذلك، فقد وجدت إسرائيل القيام بهذه العملية الأمنية علها تراكم بعض الانجازات بدلا من الأهداف الضائعة التي لم يتحقق منها شيئا لا في غزة ولا جنوب لبنان، لكن سرعان “ما راحت السكرة وجاءت الفكرة”، وعادت التوجيهات الاسرائيلية الى المستوطنين بضرورة البقاء الى الملاجئ تحسبا من رد المقاومة التي قد لا تتأخر هذه المرة بتنفيذ عملية واضحة وصريحة تحاكي العدوان الاسرائيلي على لبنان، وتمنع العدو من الدخول في حرب مفتوحة مع إعادة الاعتبار الى قدرة حزب الله على الردع!..
Related Posts