رأى المندوب الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة في جنيف السفير سليم بدورة أن لبنان ينشط مع المجموعة العربية من أجل دعم القضية الفلسطينية.
بالتوازي يقوم بتذكير المجتمع الدولي بأن اسرائيل لا تزال تحتل اجزاء من لبنان وتعتدي على سيادته. وتقوم البعثة بتقديم الشكاوى الى المنظمات الأممية المعنية ضد إسرائيل لوقف إنتهاكاتها في لبنان بحق المدنيين والصحافيين وإستهداف الأراضي الزراعية بالفوسفور الأبيض والقرصنة على الاتصالات… كما تبادر البعثة اللبنانية كلما سنحت الفرصة الى وضع مجلس حقوق الانسان دوريا بصورة الانتهاكات الاسرائيلية بحق لبنان. كل ذلك عملا بتوجيهات معالي الوزير ووزارة الخارجية والمغتربين بطبيعة الحال.
وخلال دردشة مع “سفير الشمال” في مقر الأمم المتحدة في جنيف على هامش مؤتمر UNF للصحة التكاملية، أشار السفير بدورة الى أنه بالاضافة الى مكتب الامم المتحدة هناك في جنيف أكثر من 30 منظمة دولية ووكالات متخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية، الصليب الأحمر الدولي، مفوضية اللاجئين منظمة العمل الدولية، والمنظمة الدولية للملكية الفكرية… موضحا أن مهامنا هي متابعة المصالح اللبنانية لدى هذه المنظمات التي للبعض منها مكاتب في لبنان وتتعاطى مع الوزارات اللبنانية التي تبلغها عن حاجاتها لجهة التعاون التقني وبناء القدرات. وبهذا الاطار هناك متابعة حثيثة لملف اللاجئين لحث المجتمع الدولي على ايجاد حل دائم لهذة المسألة الشائكة.
كما لفت الى أن جزء كبيرا من العمل الدبلوماسي في جنيف يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الانسان المرتبط أكثر بالمفوضية العليا لحقوق الانسان ومجلس حقوق الانسان الذي ينعقد على مدى ثلاث دورات خلال السنة.
وردا على سؤال أكد السفير بدورة أنه يجب التمييز بين ما يجري في جنيف وبين ما يجري في نيويورك، ففي جنيف هناك تركيز على المسائل التنموية، والمسائل التكنولوجية والبيئية وتلك المرتبطة بنزع السلاح والقضايا الصحية وكلها مسائل حيوية تهم البشرية جمعاء بالاضافة إلى قضايا حقوق الانسان، في حين ان المسائل السياسية الكبرى ومواضيع الأمن والسلم الدوليين هي أكثر من إختصاص نيويورك بما في ذلك مجلس الأمن. ولكن هذا لا ينفي ضرورة تكامل وتفاعل الجهود الدبلوماسية بين جنيف ونيويورك سيما وأن جنيف ونظرا لحياد سويسرا التقليدي غالبا ما تستضيف مفاوضات دقيقة حول بعض النزاعات المزمنة مثل الحرب في سوريا او النزاع المستجد في السودان.
وقال: نحن كبعثة لبنانية نحاول من خلال مجلس حقوق الانسان الاضاءة على الانتهاكات الاسرائيلية المتزايدة ضدنا، ومن ضمنها قتل الصحافيين وإستهداف وقتل المدنيين وترهيبهم واستخدام الفوسفور الأبيض، كما نتواصل في هذا الاطار مع بعض المنظمات الاخرى حسب اختصاصها. بعد محاولات القرصنة الاسرائيلية على لبنان وبتوجيه من وزارتي الخارجية والاتصالات قمنا بتوجيه شكوى من خلال منظمة ITU (الاتحاد الدولي للاتصالات)المسؤولة عن تفعيل الاتصالات وسلامتها في العالم، مع شرح الحيثيات.
كما قدمنا سلسلة شكاوى الى المفوض السامي لحقوق الانسان وبعض المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الانسان في موضوع استهداف المدنيين وقتل الصحافيين.
هذا فضلا عن شكاوى أخرى مرتبطة باستخدام القوة القائمة بالاحتلال للفوسفور الأبيض المحرّم ضد المدنيين والمساحات الزراعية.
وأضاف: نحن ايضا نعمل في اطار المجموعة العربية ومجموعات اخرى مثل عدم الانحياز ومنظمة العمل الاسلامي على دعم القضية الفلسطينية، خصوصا أن هناك إرتكابات ومجازر وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب، ترتكبها القوة القائمة بالاحتلال دون هوادة عداك عن نواياها في التطهير العرقي. والفلسطينيون بحاجة الى دعم الدول الشقيقة والصديقة في المحافل الدولية، للدفاع عن قضيتهم المحقة بوجه التعنت الاسرائيلي. ومن حسنات هذا الدعم انه بات يظهر بوضوح هشاشة الموقف الاسرائيلي ويوقع القوة القائمة بالاحتلال في نوع من العزلة الدولية.
وردا على سؤال حول جدوى كل هذه الجهود الدبلوماسية في نهاية المطاف، والحرب في غزة مستمرة ومأساة الشعب الفلسطيني على حالها قال: صحيح ان هذه الجهود الدبلوماسية لم تترجم بعد وقفاً للعدوان او تراجعا ملموسا في حجم المعاناة. هذا يعود بشكل أساسي الى عجز مجلس الامن الدولي في نيويورك عن القيام بدوره بسبب التجاذبات السياسية بين أعضائه الدائمين.
وتابع: ليس صحيحا أن في غالبيتها تذهب مداولات جنيف سداً. فهي تؤثر على الرأي العام العالمي، وعلى المنظمات غير الحكومية وعلى الطلاب في الجامعات والبرلمانات في العالم وتساهم ولو ببطء في تغيير المزاج العالمي لصالح فلسطين وقضيتها المحقة.
كما ان العدالة الدولية تتأثر بمداولات جنيف. فعندما نرى أن الزعماء الاسرائيليين قد يصبحون عرضة لملاحقة المحكمة الجنائية الدولية، او ان محكمة العدل الدولية تعلن بوضوح عدم شرعية استمرار الاحتلال والمستوطنات والممارسات التعسفية، كل ذلك لن يمر مرور الكرام وقد يؤسس لمرحلة جديدة ولمقاربات جديدة لهذه المسألة.
هذا لا ينفي انه وللاسف هناك شعب فلسطيني ينزف يريد حلولا عاجلة سيما وانه ضاق ذرعا بمفاوضات لا تنتهي ولم تؤد بعد الى اية نتيجة ملموسة.
للاسف لقد اثبتت التجربة التاريخية ان حركات التحرر والمقاومة الوطنية غالبا ما تستغرق وقتا طويلا قبل ان تحقق اهدافها خاصة عندما يكون المحتل المعتدي على درجة عالية من الاجرام والبطش والعنصرية ويحظى بغطاء من قوى دولية فاعلة. ولكن وبالرغم من كل ذلك لا مفر من ان تنشط الدبلوماسية لتحقيق العدالة ولو ببطء وصعوبة.
وحول امكانية تغير مواقف للدول التي هي تقليديا داعمة لإسرائيل، قال السفير بدورة: هناك دول باتت تعيد حساباتها، منها من يعترف بفلسطين، ومنها من يفكّر بتخفيض التعاون مع حكومة الاحتلال ومنها من صرح بانها لن تتردد بالقبض على نتانياهو في حال اصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة بحقه.
وما هو اكيد ان غالبية الدبلوماسيين باتوا ضمنيا على اقتناع بان ارتكابات حكومة نتانياهو باتت لا تعد ولا تحصى وان اسرائيل حاليا حجر عثرة امام اي حل سلمي للقضية الفلسطينية فضلا عن انها تشكل خطرا كبيرا على الامن والسلم الدوليين. ولكن في مواقفهم العلنية يضطر هؤلاء الدبلوماسيون بطبيعة الحال الى التقيد بتعليمات دولهم الرسمية.
وشدد السفير بدورة على ان تعقيدات الازمة لا تقتصر فقط على تفلت القيادة الاسرائيلية الحالية، المدينة باستمراريتها لاحزاب دينية ويمينية متطرفة تعتاش على العنصرية المفرطة. لكنه يوجد عامل أخر لا ينبىء خيرا الا وهو التحولات السياسية الفكرية الاجتماعية داخل الكيان بحد ذاته التي توحي للمراقب انه اي الكيان بات اكثر تعصبا وعدوانية وكرها تجاه الفلسطينيين ما يطرح علامات استفهام حول المستقبل.
قد تفضي الجهود الدولية في المستقبل القريب الى ترتيبات مؤقتة توقف المجازر واطلاق النار وتخفف بعضاً من المعاناة وهذا ضروري… وقد يسقط نتانياهو… ولكن هل من شيء يضمن بأن الكيان بات على استعداد بعد عقود من القهر والقتل والاستيطان، ان يعترف بأن هناك مسألة لا يمكن ان يتهرب منها مهما كابر الا وهي حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وبدولة مستقلة؟!
وعليه يبقى من الضروري ان يبقى الصوت الدبلوماسي مرتفعاً في جنيف نبذا للعنصرية والاحتلال ونصرة لقيم العدالة والتحرر وحقوق الانسان والسلام.
Related Posts