يتصاعد دويّ طبول الحرب في المنطقة تدريجيًا على وقع احتدام الصراع بين معسكر الغرب وجبهة المقاومة، ووسط إرهاصات “كارثة صحية حقيقية” تتهدّد أطفال قطاع غزة بالشلل.. وهي حال التي لم تجد طريقها إلى القطاع منذ أكثر من ربع قرن.. ولعلّها واحدة من المراحل الأكثر توترًا وتعقيدًا التي تمر فيها منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصًا أنها الحرب الأطول التي تخوضها “إسرائيل”، وهي مرشّحة للاستمرار من دون أن يلوح في الأفق أي احتمال على توقفها وسط مجموعة من العقد الشائكة التي لا تجد لها حتى اللحظة طريقًا إلى الحل.
قد تكون “الفرصة الأخيرة لوقف الحرب”؛ وفقًا لتعبير وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، وهو الذي جاء إلى المنطقة على عجل لتطويع مواقف “الأطراف المتحاربة” تمهيدًا لاتفاق ما يحول دون تدهور المنطقة إلى تصعيد لا يعلم أحد مستقرّه ومنتهاه.
هذا بينما يصرّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو على فرض شروطه العسكرية والأمنية التي تقيّد قطاع غزة ومستقبل الفلسطينيين فيه؛ مستفيدًا من تبنّي واشنطن لمواقفه ومن أساطيلها التي تطوّق المنطقة، فيما تؤكد حركة حماس أن لا حاجة لمفاوضات جديدة أصلًا، وأن بدء مسير قطار الحل على سكّته الصحيحة يكمن في تطبيق مقترح الرئيس الأمريكي جوزف بايدن الذي وافقت عليه الحركة في الثاني من تموز/ يوليو الفائت.
جاء بلينكن إلى تل أبيب والقاهرة والدوحة ليسوّق طرحًا جديدًا لهدفين أساسيين؛ لا ينصّان على وقف إطلاق النار؛ وهما: إستعادة المحتجزين الإسرائيليين من حركة حماس، وإدخال “المساعدات الإنسانية” للمحتاجين في قطاع غزة. ويراهن الرجل على دور كبير تؤديه مصر وقطر لتسويق هذا المنحى وفرضه على حركة حماس. وهذا في ظل ما تشهده الساحة العربية من غياب تام لما يُسمّى “جامعة الدول العربية”، وكأنّ القضية الفلسطينية باتت ملفًا ثانويًا يذوب فيه الحق الفلسطيني ضمن مشروع التسوية الكبير، وما قبل ذلك وخلاله وبعده “التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل”.
في المقلب الآخر؛ تقف واشنطن والعواصم العربية الفاعلة على مفترق مصير يطال المنطقة برمّتها، فالصراع تجاوز حدود المعركة في قطاع غزة، بعد اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية وإسماعيل هنيّة في طهران، حيث تترقّب “إسرائيل”، كما الولايات المتحدة وحلفها الغربي، الردّ الحاسم والمحتوم من حزب الله وإيران، والذي قد يأتي أيضًا من اليمن والعراق، ما يأخذ الجبهة إلى تطوّر لا يمتلك فيه الغرب والعرب مفاتيح التحكّم والسيطرة. أضف إلى ذلك إصرار المقاومة الفلسطينية على شروطها ومطالبها ما يعيد الوضع إلى المربع الأول.
إنها مرحلة فائقة الخطورة بكل ما للخطر من واقع وفعل، وحتى هذه اللحظة لا تبدو واشنطن قادرة على إخراج نتنياهو و”إسرائيل” من أزمة الاستنزاف العسكري والاقتصادي والنفسي. لذلك؛ هي تأمل بقارب عربي يأخذ بالجميع إلى ضفة الحلّ، إلا أن المحك الحقيقي لمسار الأحداث يكمن في موقف العرب في حال وقع المحظور ودخلت المنطقة في أتون النار.
في هذه النقطة بالتحديد؛ ترى أوساط مراقبة أن القرار العربي يترنّح في المنطقة الحرجة، والمواقف التي تؤكد على الحياد وعدم التدخّل في حال وقوع حرب بين محاور جبهة المقاومة و”إسرائيل” تؤخذ اليوم “على البارد”، وسرعان ما ستأخذ جانب الانحياز مع سقوط أول صاروخ على “إسرائيل”.
في هذا السياق؛ تطرح الأوساط نفسها جملة مشكلات واقعية قد تفرضها الحرب وأهمها: ماذا لو طلبت واشنطن من العرب التدخّل لدعم “إسرائيل” بشكل مباشر، وتسخير ترساناتها الحربية المكدّسة وفتح مجالها الجوي والبري والبحري لهذه الغاية، وإطلاق يد الأمريكيين والإسرائيليين في استخدام القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة على أراضيها لضرب إيران واليمن والعراق ولبنان؟ هل يرفض العرب الإيعاز الأمريكي والبقاء على الحياد؟!
ماذا لو نفّذت طهران تهديدها بضرب كل مكان يشكّل تهديدًا لها ومن ضمنها العواصم العربية، وتحرّك الحوثيون ليدكّوا المواقع والمراكز الحيوية في الإمارات والسعودية فضلًا عن داخل “إسرائيل”؟!
ما هو مستقبل الحلم العربي في حال اندلعت النار الكبرى في منابع النفط الخليجي، وكيف سترسو معادلة ما بعد الحرب بعد الدمار الشامل؟!
أسئلة صعبة ومشكلات حرجة ومقلقة لا أجوبة عليها الآن، إلا في ساحة الميدان.. فلنترقّب وننتظر.
Related Posts