يسير رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عكس السير، وتسارع أميركا الى تأمين طريقه وإحاطته بكل أنواع الدعم لممارسة غطرسة يرفضها الداخل الاسرائيلي خوفا على الكيان وعلى الأسرى، وتستمر المقاومة الفلسطينية في مواجهتها على وقع إستمرار حرب الابادة التي يفتش نتنياهو من خلالها على مكسب أو إنجاز هو “حلم إبليس في الجنة”.
ما شهدته المفاوضات من الدوحة الى القاهرة، يشير الى أمور ثلاثة، الأول أن نتيناهو لم يعد يقيم وزنا للرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته، وهو يمارس إجرامه ومجازره بغض النظر عن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإنجاح المفاوضات، والثاني هو أن إدارة بايدن تسعى الى إرضاء اللوبي الصهيوني لإستمالته في الانتخابات الرئاسية وإعطاء أصواته لمرشحة بايدن وحزبه كامالا هاريس، وبالتالي فهي مجبرة على مسايرة نتنياهو، والثالث، هو أن أميركا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، وأن ما تريده إسرائيل في الحرب تحاول أميركا أن تنجزه في المفاوضات والسياسة.
ولا شك في أن إصرار وزير خارجية أميركا أنطوني بلينكن على إشاعة أجواء إيجابية، هي محاولة لكسب الوقت، وإعطاء نتيناهو فرصا جديدة لتحقيق أي إنجاز يمكن البناء عليه، ولتأخير رد إيران وحزب الله على إسرائيل إنتقاما لإغتيال الشهيدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، وبالتالي الحؤول دون أخذ المنطقة الى حرب شاملة لا تستطيع أميركا تحمل تداعياتها في ظل تحضيراتها للإنتخابات الرئاسية، فضلا عن مخاوفها الكبرى من تعرض كل مصالحها والمصالح الغربية في المنطقة الى الخطر، ومن إنهيار مفاجئ للجيش الاسرائيلي الذي أكدت قيادته أكثر من مرة في كتب أرسلتها للحكومة أنه “يخوض حرب إستنزاف وأن النصر الذي يتحدث عنه نتنياهو بعيد المنال”.
كلما حاول نتنياهو كسب الوقت بدعم أميركي يفاجئ بما لم يكن يتوقعه، ففي الوقت الذي كان فيه بلينكن يستكمل زيارته ويروج للصفقة الاسرائيلية على وقع المجازر الصهيونية بحق المدنيين، تم إكتشاف جثث ستة أسرى إسرائيليين قتلوا بنيران صديقة، وأعيدوا بالصناديق الى فلسطين المحتلة، الأمر الذي ضاعف من غضب الرأي العام على نتنياهو ومن الاتهامات بأنه يخوض حربا شخصية للبقاء في سدة الحكم، في حين أبلغ رئيس الشاباك الذي شارك في الوفد المفاوض والدة أحد الأسرى بأن صفقة التبادل لن تبصر النور في ظل وجود نتنياهو وحكومته.
يبدو واضحا، أن الفرصة الأخيرة التي تحدث عنها بايدن ومن بعده بلينكن تتجه نحو السقوط، مع إصرار نتنياهو على تحويل الصفقة من التبادل والاتفاق على وقف النار، الى صفقة إستسلام وإذعان لحماس، مع إضافة سلسلة من البنود لجهة البقاء ضمن معبريّ فلادلفيا ونتساريم، ووضع قيود على إطلاق الأسرى، ومنع الشباب من العودة الى شمال القطاع ما يؤدي الى تشرذم العائلات، إضافة الى وقف مؤقت لإطلاق النار، وما يجعل أميركا وسيطا غير نزيه، هو قول جو بايدن “أن المفاوضات ما زالت ممكنة لكن حماس تمارس التعطيل”.
لا شك في أن حماس تعاطت مع هذه المفاوضات بكثير من الذكاء والحكمة، حيث كان المكتوب “مبيّن من عنوانه” وأن ثمة إنقلابا واضحا وجذريا على الورقة التي تم طرحها في 2 تموز وتضمنت الحد الأدنى الذي يمكن أن يوافق عليه كل الأطراف، لا سيما حماس التي أظهرت الكثير من المرونة بعد تمنيات وتعهدات أميركية نقلها الوسطاء، لذلك، فإن حماس إستبقت الحدث ولم تشارك في المفاوضات وعندما صدرت النتائج أكدت رفضها لها مؤكدة أن “كل ما ورد فيها لم نتفق عليه ولا نقبل به، ولن نقدم تنازلات جديدة”.
أمام هذا الواقع، ترهن أميركا المنطقة بكاملها لجنون ومصالح نتنياهو الذي يفتش عن “سراب يحسبه الظمآن ماء”، فيما المقاومة تعد العدة للأيام والليالي والميدان!..
Related Posts