شكلت العملية الاستشهادية التي نفذها أحد المجاهدين في تل أبيب بداية عهد جديد للمقاومة ضد العدو الاسرائيلي، مستمد من تاريخ حافل صنعه المهندس الشهيد يحيى عياش الذي أرعب الاسرائيليين في الحافلات والقطارات والملاعب والأسواق والشوارع بالقنابل التي تسير على قدميها وثبّت توازن رعب حقيقي إستعاد حضوره وتأثيره على الكيان.
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الاسرائيلية تؤكد أنها في كامل جهوزيتها الأمنية والإستخباراتيه لمواجهة أية إعتداءات في الداخل الفلسطيني المحتل وخصوصا تل أبيب، كسر أحد المجاهدين كل تلك الاجراءات وإخترق الحصون الأمنية وحمل بين أضلعه متفجرات شديدة الانفجار وهزّ الكيان الغاصب وعبّد الطريق أمام مواكب الاستشهاديين الذين سيُدخلون المناطق الاسرائيلية الى عمق الصراع كرد على إستمرار العدو بإرتكاب المجازر في غزة، وعلى غطرسة نتنياهو في التعاطي مع صفقة التبادل التي عمل على تحويل كل بنودها لمصلحته، مطالبا حماس بالقبول بها.
لا شك في أن إسراع حركة حماس وسرايا المقاومة التابعة للجهاد الاسلامي في تبني هذه العملية لم يأت عن عبث، بل هو تأكيد أن على أن مجاهدي المقاومة قادرين على الوصول الى العمق الاسرائيلي وفرض قلق وجودي عليها، خصوصا أن هذه العمليات لم تشهد مثلها إسرائيل منذ العام 2005، وهي لا يمكن تقييمها اليوم بحجم الانفجار أو بعدد القتلى الذين سقطوا بفعلها، بل تكمن أهميتها بقوة المقاومة وقدرتها على تصنيع المتفجرة وإرسال المنفذ وتفجيرها، والاخفاق الأمني الكبير الذي شهده الكيان والذي يكاد أن يكون شبيها بإخفاق 7 أكتوبر، والتأكيد على أن البيئة الفلسطينية تحاكي المقاومة وتترجمها قولا وفعلا.
منذ طوفان الأقصى، وإنطلاق العدوان الصهيوني المدمر والقاتل على غزة، حاول العدو عزل الضفة الغربية بحصار وإقتحامات وإعتقالات وقتل وإغتيالات، وهو لم يتوان عن إستهداف وقتل الشهيد صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو أحد ملهمي المقاومة في الضفة، وذلك بهدف تطويق أي حركة يمكن أن يقوم بها أبناؤها دعما لغزة.
فشل العدو بالرغم من قتله أكثر من 800 فلسطينيا في ضرب نهج المقاومة في الضفة الغربية التي تغلي على وقع حرب الابادة في غزة، وهي بالأمس وجهت إنذارا خطيرا الى الكيان الصهيوني بأن المضي بالسياسات الاجرامية في غزة، وتسليم السلاح الى المستوطنين لإستهداف الفلسطينيين والاستمرار في عمليات إقتحام المسجد الأقصى، كل ذلك سيعزز من البيئة الحاضنة والداعمة للمقاومة والتي لن تتوانى عن رفع مستوى المواجهات من خلال تشكيل مجموعات إنتحارية لن تستطيع الاجراءات الأمنية الاسرائيلية التصدي لها، فضلا عن أن حراك الضفة سيكون له إنعكاسات سلبية جدا على العمق الاسرائيلي نظرا لقربها منه، ما يجعل قذيفة الـ “ب7” أو “الهاون” أهم من ضرب عشرات الصواريخ من غزة.
يمكن القول، إن عودة العمليات الاستشهادية المتوقع أن تزداد تدريجيا، من شأنها أن تُفقد إسرائيل جدوى قوتها العسكرية، وحصارها لغزة والدعم الأميركي لها، وأن تضع نتنياهو في موقع لا يُحسد عليه، كونها أعطت المقاومة رصيدا إضافيا، وورقة لا يمكن لأي جيش مواجهتها، خصوصا أنه سبق لمسؤولين إسرائيليين في عهد “المهندس الشهيد” أن أكدوا أن “أكبر ما يمكن أن تهدد به الانسان هو الموت، فماذا نفعل مع من يركض نحو الموت”.
إستحضر يحيى السنوار المهندس يحيى عياش بعد 28 عاما على إستشهاده، ما يؤكد أن الاعتداءات والاغتيالات لا يمكن أن تطفئ شعلة المقاومة التي تبقى متوقدة بدماء الشهداء القادة والمجاهدين، ولتنتقل بين الأجيال وتزداد قوة وإيمانا بدحر العدو وتحرير الأرض.
Related Posts