ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسن أخاه الإمام الحسين، حين قال له: “أوصيك بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً… وأن تدفنّي مع رسول الله فإنّي أحقّ به، وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه… فإنّي أنشدك بالله وبالقرابة التي قرّب الله عزّ وجلّ منك، والرحم الماسّة من رسول الله: أن لا تهريق في محجمةٍ من دم، حتّى نلقى رسول الله، فنختصم إليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا من بعده”.
أيها الأحبة: إننا أحوج ما نكون إلى استلهام هذه الوصية الذي عبر من خلالها الإمام عن مدى حرصه على حفظ دماء المسلمين رغم رغبته بأن يدفن إلى جنب جده رسول الله، لنقي واقعنا مما بتنا نعاني منه، حيث بات السلاح هو الأسلوب الذي يعتمد لحل النزاعات والخصومات وحتى على أفضلية المرور، بدلا من الأخذ بالآية: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، والتي بها تحقن الكثير من الدماء ونكون أكثر وعيا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
أضاف :”والبداية من التوتر الذي يعيشه اللبنانيون، بعد القرار الذي اتخذته المقاومة بحتمية الرد على العدوان الذي حصل على الضاحية الجنوبية، لمنع هذا العدو من تكرار عدوانه والتمادي فيه، للتداعيات التي قد تحصل من ورائه، والرد الذي قد يحصل من بعده، في ما نشهد في الوقت نفسه خوفا وقلقا ورعبا لدى هذا الكيان…
ونحن أمام ما يجري، ندعو إلى التنبه والاستعداد لما قد يترتب على أي رد، وأن نأخذ بالاعتبار كل الاحتمالات لأننا أمام عدو بات يتحرك بدون ضوابط وحسابات، وهو لا يراعي أي قيم ومشاعر إنسانية، لذا إننا ندعو أيضا إلى الثقة بالحكمة لدى المقاومة والتي أعلنت بكل وضوح بأن ردها لن يكون متسرعا وانفعاليا بل حكيما ويأخذ في الاعتبار الظروف الموضوعية التي يعيشها هذا البلد واللبنانيون”.
وتابع :”وفي الوقت نفسه، ندعو إلى عدم الوقوع في فخ الحرب النفسية التي يقوم بها العدو ومن يقف معه ومن يسانده، والتي يسعى من خلالها إلى تعميق الشرخ بين اللبنانيين ودفعهم إلى تقديم التنازلات لحساب مستوطنيه ولحساب كيانه، ما يدعو إلى أن نستحضر عناصر القوة الروحية والإيمانية والمادية التي نمتلكها، والوعي لنقاط ضعف هذا العدو ومحدودية حركته، وإننا إذا كنا نتألم فإنه يتألم بل هو يتألم أكثر مما نتألم، وإذا كنا نخاف فإنه يخاف وخوفه أكبر من خوفنا، وإذا كنا نعاني من آثار التهجير أو فقدان الأعزاء فإنه يعاني”.
واستطرد السيد فضل الله :”ونحن في ذلك لا نريد أن نهون من حجم قدرات العدو والتقدم التقني الذي يمتلكه والدعم الواسع وغير المحدود الذي يحظى به، ولكن ذلك لا يدعونا إلى أن نغفل مما لدينا من قدرات وإمكانات ظهر منها البعض وأثبت جدارته ولم يظهر الكثير، ومن استعداد عال للبذل والتضحية ومن الدعم الذي نجده من الذين يؤمنون بعدالة القضية التي تعمل لها المقاومة سواء من الداخل أو من الخارج.
إننا في هذه الظروف، أحوج ما نكون إلى رص الصفوف وتوحيد المواقف، والدعوة إلى ضرورة التكاتف والتعاون والتباذل في مواجهة التحديات الراهنة، وخصوصا أعباء النزوح من المناطق التي تستهدف أو التي يخشى استهدافها.
إن من المؤسف أن نشهد استغلالا لمعاناة النازحين من أبناء وطنهم والذي لم يتوقف عند الارتفاع الهائل في قيمة بدلات الإيجارات، بل نجده في إلزام المستأجرين بعدد الأشهر ويزيد عن حاجاتهم إلى المسكن وحتى إلى تحديد لأفراد العائلة، ما يجعل سبل الأمان لا تتوافر إلا للقادرين والميسورين”.
وقال :”ونحن هنا في الوقت الذي نحيي كل الأصوات التي تدعو إلى فتح الأبواب واسعة للنازحين أو من فتحوا أبوابهم لهم، فإننا ندعو الوزارات المعنية والبلديات والجهات الفاعلة إلى التدخل والوقوف في وجه من يستثمرون في الأزمات ولو على حساب وطنهم والقيم الإنسانية.
وندعو في الوقت نفسه القيادات السياسية والحزبية والدينية، ومن لهم حضور في مواقع التواصل إلى الكف عن إطلاق الكلمات والمواقف والتغريدات التي تسيء إلى الوحدة الوطنية وتؤدي إلى تأليب اللبنانيين ابعضهم على بعض.
إننا نعي أن هناك خلافا بين اللبنانيين، وقد يكون جذريا وعميقا، لكن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى مواقف تهدد كيان هذا البلد ويستفيد منها العدو في معركته التي تجري على كل لبنان، وهو اليوم يهدد البنية التحتية لكل اللبنانيين ويبث الرعب من خلال تصريحاته أو خرقه لجدار الصوت”.
إننا نجدد ما قلناه، بأن على اللبنانيين أن يخرجوا من هذه المعركة منتصرين ليكون لهم عزتهم وكرامتهم وأمانهم، ويحجزوا لهم مكاناً في هذا العالم الذي لا يحترم فيه إلا الأقوياء”.
وختم السيد فضل الله :”نعود إلى فلسطين لنقدر الخطوة التي قامت بها المقاومة باختيار رئيس لها بعد أيام قليلة على عملية الاغتيال التي تعرض لها رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، والتي جاءت ردا عمليا على هذا الاغتيال، وتأكيدا لهذا العدو على مدى تماسكها وقوتها باختيارها رئيسا لها ممن هو لا يزال داخل غزة يقاتل هذا العدو.
في هذا الوقت لا يزال الشعب الفلسطيني يستمر بتقديم التضحيات وتحقيق الإنجازات الكفيلة بأن تجعل العدو يعي أن لا خيار له إلا الانسحاب والرضوخ لمطالب الشعب الفلسطيني التي تدعوه إلى إيقاف الحرب وحرية عودة الناس إلى أماكن سكنهم ورفع الحصار عنهم وإعمار ما تهدم”.
Related Posts