وسّعت إسرائيل نطاق إعتداءاتها، وراحت تضرب خبط عشواء، ولا شك فإن هذا التصعيد الأول من نوعه منذ عملية طوفان الأقصى لا يمكن أن يتم من دون ضوء أخضر أميركي، بالرغم من كل الحديث المعلن في الولايات المتحدة بأن إدارتها لم تكن على علم بضرب الضاحية الجنوبية وإستهداف القائد الجهادي الشهيد فؤاد شكر، ولا بعملية إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران، وأنها حريصة على عدم التصعيد.
تطور هذه الأحداث وذهاب إسرائيل بإتجاه العدوان على لبنان وإيران والعراق واليمن وسوريا، وفلسطين كتحصيل حاصل بضربات مؤذية تستدعي ردا قويا، لا يمكن أن تجرؤ عليها لولا وعود أميركية بدعمها في حال حصول أية تطورات، ولعل عودة البوارج الأميركية الى المتوسط أكبر دليل على ذلك.
لماذا هذا التطور (إن صح التعبير) في الموقف الأميركي الداعم لهذا العنف الاسرائيلي المستجد؟
ليس خافيا على أحد، أننا على أبواب إنتخابات أميركية وكلا المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس بحاجة ماسة الى دعم اللوبي الصهيوني سواء على الصعيد المادي أو على صعيد التصويت، وهذا يُفسح المجال أمام نتنياهو مع يمينه المتطرف لأن يملي على الولايات المتحدة أمورا ومواقف ربما لا يستطيع أن يمليها في الأوضاع العادية.
ولا شك في أن الكيان الصهيوني واللوبي الداعم له في العالم وأميركا يدركون أن إنتهاء المعركة القائمة في المنطقة بالنتيجة التي كانت عليها الاسبوع الماضي، يعني هزيمة مطلقة لإسرائيل وتآكل قوة الردع التي تتباهى بها، وفقدان هيبتها العسكرية، وخروج محور المقاومة منتصرا رغم الأكلاف الباهظة التي دفعها، وهذا من شأنه أن يدفع الدول العربية الذاهبة نحو التطبيع الى السؤال عن جدوى ذلك وفائدته، خصوصا أن إسرائيل تكون قد فقدت وظيفتها التي وجدت من أجلها كقاعدة متقدمة للغرب تمارس دور الشرطي وتعتدي على المتمردين في المنطقة.
لذلك، فإن إسرائيل التي ترتعد من المقاومة الاسلامية في لبنان، والتي يستطيع الحوثي إرسال مسيّرة يافا لتضرب عمق تل أبيب، والتي يهددها العراق بمسيراته، وتضعها المقاومة الفلسطينية بين فكي كماشة في قطاع غزة، إسرائيل هذه في حال قبلت بهذا الواقع فإنها إنتهت كفكرة، وهي بالأساس يشكل العنف العمود الفقري لسياساتها في المنطقة، وجيشها المقاتل كما وصفه بن غوريون متفوق عسكريا، إلا أن إسرائيل التي كانت بالأمس قادرة على قتال ثلاثة جيوش عربية (سوريا ومصر والأردن) باتت اليوم عاجزة أمام فصائل مقاومة تقض مضجعها وتتسبب بصراعات داخلية وإنقسامات عمودية.
إذاً، كان لا بد لأي قارئ إستراتيجي في الكيان الصهيوني أن يذهب الى ما ذهبت إليه إسرائيل من إعتداءات وإغتيالات لتؤكد أنها ما زالت الأقوى وصاحبة المبادرة والقادرة على حماية أمنها والدفاع عن نفسها، وتنفيذ الأجندة الغربية والأميركية.
صحيح أن السياسة الأميركية الاستراتيجية تقوم على جعل إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة، وصحيح أن الادارة الأميركية لا تقبل بأن تكون إسرائيل مهزومة، إلا أن حساب الحقل الأميركي الاسرائيلي لم يتطابق مع حساب البيدر، خصوصا أن أحدًا لا يعلم ماذا تحمل المقاومة في جعبتها، حيث أن كل المؤشرات تقول أن في جعبتها الكثير وأنها قادرة على خوض المعركة أو الاستمرار فيها بغض النظر عن موازين القوى والتفوق الاسرائيلي الناتج عن التسليح الأميركي للكيان بكل ما يلزمه، إلا أن سلاح الارادة والإيمان أثبت جدواه في الميدان، فغزة المحاصرة منذ ١٧ عاما ما زالت صامدة بالرغم من دخول الشهر العاشر للعدوان عليها، حيث لم يحقق الجيش الاسرائيلي أي من أهدافه، وهي اليوم تقاوم ومتماسكة وتوجه الضربات اليومية للعدو وتوقع الخسائر الجسيمة في صفوفه.
أما حزب الله فهو لم يستخدم حتى الآن أكثر من ١٥ بالمئة من أسلحته، فيما جبهة اليمن تزداد تأثيرا، والعراق لم يدخل المعركة بالشكل المطلوب، وسوريا بالتأكيد سيكون لها دورا فاعلا في حال تطور الأحداث.
هذا المحور برعاية إيران يرفع شعارا أساسيًا، هو: “ممنوع أن تُهزم حماس” وهو يمتلك كل القدرات والإمكانات التي تساعده على تحقيق مراده.
كل ذلك يعني، أن المنطقة دخلت الى مرحلة جديدة من الصراع، وكل المؤشرات توحي بأن الأمور ستتدحرج الى مواجهة عنيفة، ستضعنا أمام مشهد عدم تخلي أميركا والغرب عن إسرائيل، وأمام مقاومة قادرة على الرد المزلزل، في ظل دلائل حسية عن أن إسرائيل لم توجد لتبقى، وقد تحولت اليوم الى كيان يتآكل من الداخل، بفقدان الهيبة والقدرة على الردع.
Related Posts