أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، برعاية نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب، اليوم الثالث من محرم في مقره، في حضور حشد من علماء الدين والشخصيات والفاعليات السياسية والنيابية والقضائية والاجتماعية والإعلامية والمواطنين.
بعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للمقرىء احمد المقداد، قدم الإحتفال الدكتور غازي قانصو مرحبا بالحضور وقال: “في أرض كربلاء، ارتفع نداءك سيدي يا أبا عبد الله: “هيهات منا الذلة”، فكان صوتا للحق يتردد في أرجاء الكون. سيدي يا حسين، علمت العالمين أن الحق لا يموت، وأن العزة لا تهان. بدمائك الزكية، كتبت ملحمة تظل خالدة في ذاكرة الأجيال”.
أضاف: “من هنا تبدو الآلام الحسينية تتويجا لسمو الفضائل والقيم على كل تفاصيل الحياة البشرية، ودعوة دائمة لمواجهة الظالمين، مهما حاول الظالمون إخمادها. إنتصارنا شعبنا في لبنان، وأخوتنا في فلسطين على أعداء الإنسانية حتمي كانتصار الدم على السيف، وانتصار الحق على الباطل، إن الباطل كان زهوقا”.
أبي المنى
وألقى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى كلمة قال فيها: “يشرفني أن ألبي دعوة المجلس المقدرة لإحياء هذه الليلة العاشورائية المباركة، غير متطلع سوى إلى الأخوة الوطنية والدينية التي تجمعنا بصاحب السماحة وبالأحبة جميعا في المجلس الشيعي الكريم، وإلى الصلة الروحية التي تربطنا بصاحب الذكرى وبآل البيت المكرمين الذين قال تعالى فيهم ولهم: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا”.
أضاف: “وها إننا آتون إليكم، مسلمين، مؤمنين، أنصارا مجاهدين مع رسول الله وصحابته في سبيل الحق والإسلام، سائرين، ثائرين، على نهج الأئمة الأطهار عليهم السلام، مؤاسين ومعزين جمع الحسينيين المخلصين الراسخين في محبتهم وولائهم، منشدين قائلين ما قلناه بالأمس: إلى قلب آل البيت جئت مؤاسيا
وقدمت بالسبط الشهيد التعازيا
تأملت كيف الشر يغدر بالورى
ويختار من بين السيوف المواضيا
فلاقيت في التاريخ من بدء عهده
ظلاما وظلما غاشما وتماديا
ولكن سيبقى الدين حيا بأهله
على الرغم ممن حولوه مآسيا
ويبقى الحسين النهج في الكون ملهما
ويبقى تحدي الظلم كالرعد داويا
ألا بارك الرحمن من سل روحه
فداء، وأعطى للحياة المعانيا
ألا عظم الله العظيم أجوركم
وأوفى بعاشوراء من جاء باكيا
تابع: “أحييكم في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعا، وأبارك لكم أولا حلول السنة الهجرية الجديدة، راجيا أن تحمل معها بشائر الأمل بمستقبل أفضل للوطن ولمنطقتنا العربية وللأمة الإسلامية وللعالم بأسره، وأن تبقى ذكرى عاشوراء محطة لجمع الشمل وإصلاح الحال وانتصار إرادة الحياة على الموت، تماما كما انتصر دم الحسين على سيف الظلم والظالمين. ولتكن تلك المسافة الزمنية الطويلة من زمن هجرة الرسول، وهجرة الإمام الحسين إلى اليوم، بما في طياتهما من العبر والفكر والعناوين، رسالة إسلامية جليلة حملها الرسول المهاجر وأصحابه الأوفياء، فأكمل بها الدين وأتم بها النعمة: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، ورسالة إنسانية عظيمة حملها الإمام الحسين وآل بيته الأولياء، مجاهدين في سبيل إعلاء راية الحق، بالكلمة الطيبة المؤثرة ولغة العقل والمنطق حينا، وبالجهاد والمواجهة الحاسمة حينا آخر، مدركين أن تلك الهجرة وذلك الجهاد وهذه التضحيات لم تكن سوى للتأكيد بأن كلمة الله هي العليا: “وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم”.
وقال: “دخل الرسول المدينة مهاجرا من مكة، متجاوزا الحواجز والعقبات الموضوعة في طريقه، فأضحت برسالته وهدايته المدينة المنورة، ودخل الإمام الحسين كربلاء مهاجرا معترضا على واقع الانحراف والتفريط بالدين، منتصرا للإسلام ورسالته، فأنار بدمه المكان والزمان، مفتتحا عهدا جديدا لإدراك الحق والتوحيد، وهل يعني الحق والتوحيد غير عبادة الله الواحد الأحد؟ وهل تعني عبادة الله الواحد الأحد غير معرفته والعيش الصادق معه؟ معرفة لا شبهة فيها، وعيشا نورانيا لا ظلمة تطغى عليه. تلك هي الرسالة التي استوجبت الهجرة والمواجهة، إذ هي رحلة سعي وجهاد لبلوغ الهدف الأسمى، توحيدا وعبادة، توحيدا للواحد الأحد يحطم أصنام الحجر والفكر والتخلف، وعبادة للفرد الصمد تتعدى عبادة العبيد والتجار إلى عبادة الأشراف والأحرار، وذلك هو العرفان، وهذا هو التوحيد”.
أضاف: “لقد حمل الحسين الرسالة، كما حملها جده الرسول الأمين، مواجها حين تقتضي الأمانة المواجهة، ومحاورا حين تدعو إلى المجادلة بالتي هي أحسن، مثبتا في هذه وتلك الإيمان في القلوب، والفضائل في المجتمع، والوحدة الإنسانية في الأمة الواحدة، داعيا إلى المؤاخاة بين المسلمين، والمساواة بين الناس أجمعين، مدركا أن ليس للهجرة أو المواجهة معنى وقيمة، إذا لم تكن في غير ما قصده الرسول وما قصده الإمام، أكان القصد اتقاء للفتنة، أم ارتقاء بالمهمة، وكلاهما جدير بالسفر والمسافرة والهجرة والمواجهة، وبمثل هذه المهمة التي تحمل معنيي الاتقاء والارتقاء تتحقق الغاية وتصان الرسالة، تماما كما أن الروح التوحيدية لا تحيا إلا بالاجتناب والاكتساب، والمجتمعات الإنسانية لا تبنى إلا بمحاربة الآفات والرذائل وبتنمية الأخلاق والفضائل”.
واعتبر أن “في إحياء هذه الذكرى المباركة الجزيل من العبر والمعاني، إذ هو أبلغ دليل على التعلق بنهج آل البيت وبنهج الحسين وشهادته المظفرة وسيرته العطرة، تعلقا بالحق الذي اؤتمن عليه، والدين الذي استشهد لأجله، وهو من خرج في سبيله صادعا بالحق، مواجها سيوف الباطل، ماضيا إلى شهادة التاريخ، حاملا كل القيم الإنسانية التي أرسل لأجلها جده الرسول هدى للعالمين ورحمة وسراجا منيرا، قيم الخير والهدى والإنابة من ظلمة الأنا الدنيوية إلى النور الذي يجمع أهل الحق ليكونوا دائما إخوانا على سرر متقابلين، أمينا على الثقل الأكبر، سالكا لأجله ذلك المسار السني القاني من المدينة إلى كربلاء، بل من اليقين إلى الشهادة، تاركا خلفه عرض الدنيا الزائل، ليؤكد بأن الروح الحسينية، بمعناها الأسمى، كانت عابرة للزمان وللظروف الآنية والانقسامات المذهبية، ولم تزل”.
وقال: “لقد أثبتت الوقائع والأيام بأن الإمام الحسين مدرسة ونهج وقدوة لكل المسلمين، بل لكل الإنسانية، بحيث لا يمكن تحجيمه وتطييف ذكراه، وهو من ارتقى بالجهاد إلى معناه الأسمى، وبالإسلام إلى مستوى الرسالة، إذ كانت صرخته مدوية في وجه حالة الانحراف المتمادية، وجهادا من أجل إعزاز الإسلام وحفظ الأمة، واستشهادا في سبيل الحق، وثورة في وجه الظالمين إلى أية طائفة انتموا، أكانوا من أتباع سنة الرسول، أم من أبناء شيعة الإمام، أم من جميع أبناء التوحيد الراسخين في إسلامهم وإيمانهم، أحملوا هذا الاسم أو تلك الراية، إنما الأهم هو وحدة الدين ووحدة الأمة، مصداقا لقوله تعالى: “وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون”.
تابع: “نعم أيها الأخوة، أقول مجددا ما قلته في مجلسكم الكريم منذ سنوات بأن الرسالة التي استشهد من أجلها الحسين كانت تقتضي إضاءة زيت الشهادة لينتشر نور الحقيقة، وأن غاية الحسين لم تكن شخصية أو سطحية، بل كانت الإصلاح الحقيقي في المجتمع وفي الأمة، وهذا ما يجب أن نسعى إليه، بدءا بإصلاح الذات ثم بإصلاح المجتمع، لأن المؤمن الحق هو من “خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى”، ولأن الثورة الحقيقية تكون بامتشاق سلاح التقوى أولا، ثم بالوقوف في وجه الظلم وأركانه، أي بإنارة القلوب والأرواح، قبل الثورة على الطغيان والانحراف”.
أضاف: “ها نحن اليوم، نقف أمام الذكرى من جديد لأخذ الدروس والعبر، فنشير إلى وجه الشبه بين ماض مؤلم وحاضر مرير؛ فها هو الإسلام يتعرض اليوم لأبشع أنواع الاعتداء على رسالته وقيمه من قوى الداخل والخارج، فهل يجوز الرضوخ والخنوع؟ أم نفعل ما فعله الحسين؟ فنواجه الانحراف الأخلاقي والانحلال الاجتماعي بمزيد من التربية على الإيمان والفضائل وصون القيم، ونواجه الأعداء الحاقدين المتربصين شرا بأبناء العروبة والإسلام، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني المغتصب، بمزيد من التعلق بالحق والأرض ومن التماسك والتضامن والمقاومة”.
وقال: “كما في بداية كل سنة، وكما في كل مناسبة عزيزة، فإننا نؤكد على واجب الاستعداد لمقاومة الظلم والفساد، ولمجابهة محاولات تغذية عوامل التفرقة والشقاق بين الأخوة، داعين إلى تفاهم مسيحي إسلامي واسع وعريض، نحن نواته وأساسه، كقادة روحيين مجتمعين، وإلى تلاحم وطني مصيري وتاريخي، كل طوائفنا معنية به ومحتاجة إليه، مستذكرين حال القوم وواقع البلاد عندنا، فنذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين، ولعل التذكير يوقظ ضمائر المسؤولين، ونرفع الصوت عاليا لعل الآذان تسمع والعيون تبصر، سائلين متسائلين: ألا يشعر أصحاب القرار بما يشعر به الشعب من خوف على المستقبل وقلق على المصير؟ ألا يتوجسون من انهيار الهيكل على ساكنيه في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث دموية مفجعة ومن اعتداءات إسرائيلية متمادية؟ ألا يعلمون أن التنافر يبدد الآمال وأن التفاهم يولد الإنجازات؟ فإلى متى الانتظار؟ وهل يبنى الوطن بغير دستور يحترم ونظام يتبع؟ أم هل تدار الدولة بغير رأس منظم وقلب يتسع للجميع؟”
وسأل: “اننا اليوم أحوج ما نكون لاتخاذ المبادرة والبدء بالتشاور الجدي والحوار الصادق والصريح لانتخاب رئيس للجمهورية قبل تفاقم الأمور وحصول ما هو أسوأ في ظل ما نشهده يوميا من تصعيد حربي عدواني واستباحة إسرائيلية لجنوب لبنان الصامد، فهل فقدنا القدرة على تفاهم داخلي يأخذ بعين الاعتبار التوازنات المطلوبة، أم هل أصبحنا رهينة لتفاهم خارجي منتظر يراعي التوازنات الدولية ويحل العقد المستعصية؟”
وقال: “إن إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين والطامعة بخيرات لبنان والضاربة عرض الحائط بالقرارات الدولية وبمشاعر العالم كله، بما ترتكبه من انتهاكات واعتداءات في جنوب لبنان، ومن مجازر وحشية موصوفة في قطاع غزة، لا يجوز إطلاقا أن تواجه بانقسام روحي أو تباعد طائفي أو تفكك اجتماعي، ولا بعجز رسمي وترهل إداري، ولا بشغور رئاسي وتجاذب سياسي عشوائي، بل يجب أن تكون المواجهة بمزيد من تحمل المسؤولية ومن التضامن الوطني والتلاقي على المصلحة اللبنانية العليا وتأكيد على الوحدة الوطنية، لكي تكون رافدة لشهادة الأبطال المجاهدين وداعمة للعمل البطولي المقاوم وللتصدي الميداني الرادع والملائم”.
أضاف: “كم نحن بحاجة إلى استلهام الحقيقة من ذلك الحدث التاريخي العظيم، مدركين أن المسيرة تبدأ بتزكية الذات وتطهيرها من الآفات، وصولا إلى تزكية المجتمع وتطهيره من الموبقات، فإلى تزكية الوطن وتطهيره من المعوقات، وبتحقيق الإصلاح هنا وهناك، أي بإخراج النفس من محنة الشك إلى رحاب اليقين، والمجتمع من محنة التفكك والانحلال إلى واحة التماسك الاجتماعي والتمسك بالقيم، والوطن من محنة اليأس وعجز الدولة وفراغ المؤسسات وتوقع المخاطر إلى فسحة الأمل وواحة العمل”.
تابع: “نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوقظ الضمائر وينير البصائر، وأن يلهم الجميع سواء السبيل، ببركة ما تحمله هذه المناسبة المعبرة من معاني التضحية والثبات والانتصار للحق، وأن يعيدها على المؤمنين وعلى اللبنانيين بالخير والسلام، وأن يلهمنا وإياكم سبل الخلاص والنجاة”.
وختم: “تحية لروح الإمام الحسين ولأرواح الشهداء جميعا في كربلاء الطف وفي كربلاء الجنوب وفلسطين، تحية للعلماء الأفاضل وللمجاهدين الأوفياء، تحية لأسرة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الموقر، وتحية لكم جميعا من مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز ومن إخوانكم وأبناء عمومتكم ووطنكم. عظم الله أجوركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
وفي الختام، تلا السيد حسين حجازي مجلس عزاء حسيني.
وكان الخطيب وابي المنى عقدا خلوة، جرى خلالها التباحث في القضايا والشؤون الوطنية والاسلامية، وتطورات الاوضاع في لبنان والمنطقة.
Related Posts