جاء في الأقوال المأثورة أن “اليائس يلجأ دائما الى الاساءات”، وهكذا كان حال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في إطلالته التلفزيونية ضمن برنامج “صار الوقت” على شاشة MTV ليل أمس.
بين إنفعالات غير مبررة، و”هضمنة” ممجوجة، وإرتباك واضح، وإنسداد في الأفق، ومواقف تصعيدية شعبوية تستجدي تصفيق بعض الجمهور في الاستديو، سيطر التخبط على جعجع الذي بات يُدرك بأنه يراهن على سراب دولي وإقليمي، وأن ما سعى له على مدار 19عاما منذ خروجه من السجن بعفو خاص من مجلس النواب، بدأ يتلاشى، فلا رئاسة الجمهورية معقودة له أو لمن يسميه أو لفريقه السياسي، ولا المعارضة تقبل بزعامته، ولا المسيحيين يسيرون حسب توجيهاته، ولا بكركي تخضع لنفوذه، الأمر الذي بدأ يُفقده التوازن ويدفعه الى توجيه الاساءات التي من شأنها أن تضاعف من عزلته.
في إطلالته أمس، لم يترك جعجع صاحبا له، بل وجه سهامه في كل الاتجاهات، وإذا كان من الطبيعي أن يشن هجوما عنيفا على حزب الله الذي يخوض مواجهات ضارية مع العدو الاسرائيلي في الجنوب، وأن يغمز من قناة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأن ينتقد الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي الذي يقف في وجه الانهيار، وأن يصب جام غضبه على جبران باسيل الذي لم يجد ردا على إتهاماته بالتعطيل سوى بيت من الشعر، فإن ما أثار الاستغراب هو أن يسيء جعجع الى الجماعة الاسلامية التي قدمت عددا كبيرا من الشهداء على طريق القدس، وأن يسخّف عملياتها الجهادية ضد العدو، ويضعها في موضع “الساذج” الذي يستغل حزب الله عاطفته تجاه فلسطين.
وما أثار المزيد من الاستغراب، هو أن يسيء جعجع الى لقاء بكركي على شرف الكاردينال بيترو بارولين والى منظميه والمشاركين فيه بإطلاق صفة الفولكلوري عليه، ثم ربط عدم مشاركته في اللقاء بالاجراءات الأمنية المشددة حوله والتي تخلى عنها في مشاركته الشخصية في إحتفال السفارة السعودية لمناسبة العيد الوطني السعودي.
واللافت أيضا، هو إساءة جعجع الى حلفائه من نواب السنة بدءا بتحجيم تمثيلهم، وصولا الى تخليه عنهم، بإعلانه التحالف بعد الانتخابات المقبلة مع من تختاره الطائفة السنية التي يتناسى جعجع أن الأكثرية الساحقة فيها ترفض التحالف معه إحتراما لدماء الرئيس الشهيد رشيد كرامي.
وما زاد الطين بلة، هو إساءة جعجع لأربعين نائبا بعد وصفهم بـ “المبشطين” من دون أن يحترم حيثياتهم الشعبية، وحضورهم السياسي، لكونهم يقفون على الحياد في الانقسامات الحاصلة، فضلا عن محاولته الايحاء بأنه يمون على أربعين نائبا من المعارضة، علما أن كثيرا من هؤلاء النواب قد خرجوا عليه ورفضوا دعوته الى لقاء معراب، فوجه في إطلالات تلفزيونية سابقة إساءات إليهم، ما دفع بعضهم الى الرد عليه بعنف، في حين أن نواب المعارضة في أحسن الأحوال بلغوا 33 نائبا.
تشير مصادر مواكبة أن الكاردينال بارولين خرج بإنطباع من لبنان مفاده “أن القوات اللبنانية لا تريد إنتخاب رئيس للجمهورية”، وسبق للسفيرة الأميركية ليزا جونسون أن أوحت بذلك، بعدما نصحت جعجع بالمشاركة مع الرئيس بري في الحوار، وفي الوقت الذي أجرى فيه آموس هوكشتاين المهتم بملف الجبهة الشمالية وتطبيق القرار 1701، لقاء مطولا مع المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان المهتم بالملف الرئاسي اللبناني، تؤكد المعلومات أن هذا اللقاء لم يأت عن عبث، بل ربما يكون للبحث في بنود التسوية التي قد تفرض نفسها بعد إنتهاء الحرب على غزة، وهذا يعني أن جعجع الذي إعتمد في مقابلته التسخيف والتسطيح وأخطأ في بند دستوري أساسي يتعلق بالانتخابات الرئاسية، وأخفق في التصدي للاتهامات الموجهة إليه، ولجأ الى التصعيد على قاعدة “علّي وخود جمهور”، كان ثابتا على أمر وحيد وهو الخطأ في كل التوقعات التي يقدمها.
Related Posts