فعلتها مديرية المخابرات في طرابلس، وحاصرت الفلتان الأمني بإشكالاته المسلحة وضحاياه، بمعالجة أسبابه التي تأتي التعديات والمخالفات في رأس قائمتها.
إتخذت مديرية المخابرات القرار الصعب وتحملت مسؤوليته وعملت على رفع الأكشاك والعشوائيات والتعديات التي تحتل كورنيش نهر أبو علي ومحيطه، فأعادت المنطقة الى ما كانت عليه عند إنتهاء مشروع الإرث الثقافي الذي تم إنجازه بكلفة ٢٤ مليون دولار، ما أظهر جمالياتها بآثارها ومعالمها وتراثها ومجرى نهرها الذي يحتاج الى إنتفاضة لتنظيفه ومن ثم الحفاظ على بيئته، والاستفادة منه خصوصا ان طرابلس هي المدينة الوحيدة التي يخترق وسطها نهر.
خطوة فرع الشمال في مخابرات الجيش بقيادة العميد نزيه بقاعي شجعت قوى الأمن الداخلي وشرطة بلدية طرابلس على المشاركة فيها، فإمتدت التسونامي الى محيط جامع محمود بك الأثري والعثماني الطراز وأزالت المخالفات القائمة عند بابه الرئيسي، وصولا الى الزاهرية، على أن تشمل هذه الحملة سوق الأحد الذي تحتله المخالفات، لتعيده الى سابق عهده من التنظيم بأن يعرض المشاركون فيه بضاعتهم بعد ظهر السبت ويسحبونها مساء الأحد من دون أن يتركوا أية آثار أو إنشاءات لهم.
تركت خطوة الجيش اللبناني إرتياحا واسعا لدى المواطنين في كل المناطق التي شملتها حملة إزالة التعديات، خصوصا أنها كانت تشكل بؤرة للفساد والاشكالات الأمنية التي تحصد الأرواح مجانا وتوقع الجرحى وتروّع الأهالي وتسيء الى صورة المنطقة ومعها كل طرابلس، بسبب خلافات على سنتيمترات لتمدد هذه البسطة أو تلك، فضلا عن الأزمة التي كان يحدثها السوق العشوائي فوق سقف النهر والذي كان الداخل اليه مفقود والخارج منه مولود.
مبادرة الجيش في طرابلس أثبت بما لا يقبل الشك، بأن المدينة ليست عصية على القانون، وليست رافضة للدولة، وأنها قابلة للتنظيم والتطور والتقدم وتحسين مناطقها لا سيما في المدينة القديمة الغنية بالآثار المهمشة والمتروكة لمصيرها، لكن ذلك يحتاج الى قرار جدي قابل للتنفيذ في ظل إنفراط عقد نوابها، وإجتماعهم العصيّ على الانعقاد في ظل الانقسامات الحاصلة بينهم، ولضعف بلديتها والخلافات التي تتحكم بمجلسها وعدم قيامه بالواجبات المنوطة به.
أما، وقد باشرت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بإزالة التعديات وتنظيف المناطق من المخالفات، فإن ذلك يضع الجميع أمام مسؤولياتهم بدءا من النواب الثمانية الذين يفترض بهم ان يكونوا على مستوى هذا الحدث وأن يبادروا الى مواكبته بخطوات عملية، وصولا الى بلديتها التي عليها بجهود مجلسها وشرطتها وبدعم من النواب و الهيئة العليا للاغاثة الاسراع في تأهيل المناطق التي عادت لأهلها، وإيجاد وظيفة جديدة لها سواء سياحية أو ثقافية أو بيئية أو رياضية.
ما شهدته طرابلس خلال الأيام الماضية أعاد صورة الدولة وهيبتها، خصوصا أن الفقر لا يبرر الفوضى ولا العشوائيات، كما وضع المدينة على مفترق طرق، فإما نحو الانماء والتنمية بالتنظيم وتحت مظلة القانون خصوصا أن إزالة المخالفات ساهمت في تراجع الاشكالات الأمنية وإطلاق الرصاص الذي كان يشكل خبزا يوميا في تلك المناطق، أو الإستمرار بإهمالها، وبالتالي عودتها الى سابق عهدها السيء وربما الى ما هو أسوأ، وعندها فليتحمل الجميع مسؤولياتهم أمام طرابلس وأهلها..
Related Posts