عندما وجّه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في خطابه الأخير، تحذيراً إلى الحكومة القبرصية من مغبّة تسهيل إستخدام أراضيها وقواعدها العسكرية ووضعها في تصرّف العدو الإسرائيلي وحلفائه للإعتداء على لبنان وضرب المقاومة فيه، تعالت في الداخل اللبناني أصوات، لم تتوقف حتى الآن، تهاجم نصر الله وتتهم الحزب بتخريب علاقات لبنان مع الدول الصديقة، وفي ضرب مصالح لبنان واللبنانيين المختلفة في الجزيرة المتوسطية.
وقد كان لافتاً في مواقف تلك الأصوات أنّ أصحابها قد تجاهلوا كليّاً الحقائق والتقارير التي تشير بوضوح إلى أنّ العدو الإسرائيلي وحلفائه إستخدموا سابقاً ويستخدمون حالياً ويحضّرون مستقبلاً لاستخدام أراضي قبرص للإعتداء على لبنان، فبدل أن يدافعوا عن بلدهم ويستنكرون تسهيل الحكومة القبرصية إستخدام أراضيها بهدف ضرب لبنان فعلوا العكس، وزايدوا في مواقفهم على مواقف الحكومة القبرصية التي نفت أن يكون هناك أيّ نيّة أو قرار لذلك، وأنّها حريصة على أن تقف على الحياد في أيّ نزاع بين إسرائيل وخصومها في المنطقة، وأنّها حريصة على حسن العلاقات مع لبنان.
من يقرأ بين سطور وكلمات مواقف هؤلاء يلمس بوضوح أنّهم ليسوا حريصين على علاقات لبنان مع الجوار، بل أنّهم مؤيّدين ضمناً لأيّ عمل من هذا القبيل يقوم به العدو الإسرائيلي، وأنّ زعمهم بالحرص على علاقات لبنان مع دول الجوار والدول الصديقة ليس صحيحاً، ولو كان كذلك لما شكّلوا رأس حربة في رفع راية العداء والخصومة مع سوريا، وهي دولة جارة وصديقة وشقيقة، وتربطها بلبنان روابط إقتصادية وإجتماعية مختلفة، فضلاً عن حقائق التاريخ والجغرافيا بين البلدين، عدا عن أنّ مصالح لبنان مع سوريا تزيد بأضعاف مصالحه مع قبرص، ولكنّ هؤلاء لم يلتفتوا يوماً إلى مصالح لبنان بقدر اهتمامهم بمصالحهم الشخصية، ومصالح جهات خارجية عدة مرتبطين بها ومتحالفين معها، ولو على حساب مصالح بلدهم.
وما يزيد من الأسف أنّ بعض هؤلاء ذهب بعيداً في خلع رداء ولائه للبنان وفي توسيع الهوّة مع لبنانيين آخرين وتعميق الإنقسام بينهم بشكل أكبر، عندما اتهموا حزب الله بأنّه هو المعتدي على العدو الإسرائيلي وليس العكس، وأنّ العدو الإسرائيلي يدافع عن نفسه في مواجهة حزب الله، من غير أن يُعبّروا عن الحدّ الأدنى من التضامن مع لبنانيين في مواجهة عدو يقتلهم ويُدمّر منازلهم ويهجّرهم من أراضيهم ويُخرّب ممتلكاتهم، وله تاريخ حافل منذ تأسيسه في العدوان على لبنان؛ ومن غير أن يُكلّفوا أنفسهم في التعبير عن الحدّ الأدنى من التعاطف الإنساني مع الفلسطينيين الذين يرتكب العدو الإسرائيلي مجازر وحرب إبادة ضدهم، وجرائم يندى لها جبين الإنسانية جمعاء، بالرغم من التبدّل الكبير في العالم، والعطف الواسع الذي باتت تناله القضية الفلسطينية .. إلّا لدى بعض هؤلاء في لبنان.
Related Posts