إطلاق الشائعات بدلا من الصواريخ.. الحرب مستبعدة!.. غسان ريفي

يتعاظم القلق والخوف من أن تُقدم إسرائيل على توسيع الحرب ضد لبنان، حيث تكثر التهديدات المباشرة وغير المباشرة أو بالواسطة الأميركية والأوروبية، ويطلق بعض المسؤولين الاسرائيليين العد العكسي لبدء هذا الهجوم ويضربون له المواعيد، ويستعين هؤلاء بـ”مرتزقة” الداخل ممن يمتهنون ممارسة التهويل على الشعب اللبناني بهدف تسميم الأجواء، وضرب موسم السياحة العصيّ على الصعوبات.

لا شك، في أن تهديدات إسرائيل تُضعف إحتمالات الحرب الشاملة، خصوصا أن كثرة الاجتماعات والمشاورات وإطلاق التصريحات ورفع السقوف في الكيان المحتل، هو كله دليل عجز صهيوني عن توسيع العدوان، خصوصا في ظل التجارب السابقة التي كانت فيها إسرائيل تعتدي على لبنان من دون تهديد أو وعيد أو إنتظار إشارة من هنا أو غطاء من هناك.

ويبدو أن إسرائيل إستبدلت قصف العمق اللبناني بالصواريخ بإطلاق الشائعات من خلال غرف سوداء خارجية وداخلية، بدءا من الأضاليل التي أحاطت بالسفارة القبرصية في بيروت إثر التحذير الذي أطلقه السيد حسن نصرالله لها، مرورا بإصدار بيانات وهمية عن طلب حكومات من رعاياها مغادرة لبنان، وبث أخبار عن سحب سفراء دول عربية أوروبية، وصولا الى محاولة ضرب المرفق الحيوي الأبرز وهو مطار رفيق الحريري الدولي عبر تحقيق لصحيفة التلغراف البريطانية أشار الى وجود صواريخ وأسلحة لحزب الله في مستودعاته، وإعتمد على تسريبات ومعلومات وشهادات لبنانية المصدر، إسرائيلية الهوى.

دحضت الحكومة اللبنانية أكاذيب وإفتراءات التلغراف، حيث إصطحب وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية وبالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي السفراء العرب والأجانب ووسائل الاعلام في جولة في أرجاء المطار أكدت أنه يخضع للمعايير الدولية كافة.

في قراءة هادئة للواقع السياسي الاقليمي والدولي، وللتطورات الميدانية في الجبهة الجنوبية وفي غزة ورفح، يتبين أن أسبابا عدة تحول دون قيام الحرب التي تهدد فيها إسرائيل التي بات جلّ همها حفظ ماء وجهها أمام مجتمع الكيان الغاصب الذي فقد ثقته بالمنظومات السياسية والعسكرية والأمنية الصهيونية، ومن أبرز هذه الأسباب:

أولا: الجيش الاسرائيلي المأزوم عسكريا والمهزوم معنويا في غزة، والذي ينوء تحت عبء الخلافات التي تعصف بحكومته التي دفعتها الهزيمة الى التصدع سياسيا، خصوصا بعد فشل نتنياهو بعد ثمانية أشهر في تحقيق أهداف الحرب، لا سيما لجهة إستعادة الأسرى والقضاء على حركة حماس والذي يبقى شعارا فارغ المضمون لبعض من يريدون طمأنة الشارع الاسرائيلي، وبالتالي فإن من لحقت به أكبر هزيمة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، لن يجرؤ على خوض حرب أصعب مع لبنان.

ثانيا: قوة وحضور المقاومة الاسلامية في لبنان التي تمتلك إمكانات عسكرية ولوجستية وتكنولوجية هائلة لم تستخدم سوى النذر اليسير منها حتى الآن، ولعل الرسالة التي وجهتها عبر “الهدهد” الى الكيان أكدت أن كل منشآته الحيوية في مرمى نيرانها، وبالتالي فإن توازن الرعب الذي تفرضه المقاومة يُنتج قوة ردع حقيقية من شأنها أن تمنع الحرب.

ثالثا: غياب الغطاء الأميركي لهذه الحرب، في ظل المساعي الدؤوبة للولايات المتحدة لتقديم الحلول الدبلوماسية على ما عداها، خصوصا أن الرئيس جو بايدن الذي لم يعد قادرا على تحمل نتائج إستمرار الحرب على غزة في ظل تراجع شعبيته عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، لن يستطيع تحمل تبعات حربا مماثلة على لبنان، علما أن بعض القادة الأميركيين يشددون على ضرورة وقف التصعيد وقد لا يكون ذلك حباً بلبنان بل خوفاً على إسرائيل من هزيمة جديدة، خصوصا بعد التصريح الذي أدلى به رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال تشالز براون بأننا “لسنا قادرين على الدفاع عن إسرائيل لصعوبة صد الصواريخ التي يطلقها حزب الله عبر الحدود”.

رابعا: خوف الاتحاد الأوروبي من تداعيات توسيع الحرب، في ظل الانقلاب الكبير الذي تشهده بعض دوله على إسرائيل، بسبب المجازر الوحشية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، وإصرار بعضها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على تأمين المزيد من الدعم لحربها على لبنان الذي لديه علاقات مميزة مع أكثرية دوله، فضلا عن الرعب الذي يتملك الأوروبيين من تؤدي أي حرب الى فتح شواطئ لبنان أمام مئات آلاف النازحين السوريين بإتجاه الشواطئ الأوروبية.

خامسا: خوف الدول الراعية للبنان، من أن يؤدي توسيع الحرب الى مواجهات داخلية مع تنامي حضور شريحة سياسية تتبنى الرواية الاسرائيلية وتدافع عن وجهة نظر الكيان وتحرض العالم ضد بلدها، حيث أن أي عدوان إسرائيلي موسع على لبنان سيضع هؤلاء أمام خيارين فإما أن تكون مع لبنان أو مع إسرائيل.

أمام هذا الواقع، ترى مصادر سياسية مواكبة أن خيار الحرب لا يزال مستبعدا، وبالتالي فإن ما لم تفعله إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر حيث كان العالم بأسره يقف الى جانبها، لن تستطيع أن تنجزه اليوم في ظل واقعها الذي لا تُحسد عليه.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal