هي الحرب الأطول في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي عموما، والفلسطيني الإسرائيلي على وجه الخصوص، وهي الحرب التي بدأت بهزيمة مدوية للكيان في السابع من أكتوبر وإستمرت تداعياتها بهزائم على مدار ٢٤٤ يوما سياسيا وعسكريا.
دقت ساعة الحقيقة لدى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فالميدان في غزة وإمتدادا نحو رفح مغلق تماما أمام أهداف الحرب التي لم يتحقق أي منها، فلم يُقض على حماس التي يضطر نتنياهو لمفاوضتها، ولم يتم تحرير الأسرى الذين يشدون الخناق حول عنقه بتحرك أهاليهم الآخذ في التصعيد، فيما الفلسطينيون يتشبثون أكثر فأكثر بأرضهم، وبمقاومتهم الباقية على جهوزيتها الكاملة والتي تضع جيش الاحتلال بين فكيّ كماشة شمالا وجنوبا وترعب الكيان بالصواريخ التي ما تزال تطلقها بشكل يومي.
لم يسبق لإسرائيل أو لأي رئيس حكومة فيها أن تعرض لكل هذا الإرباك في تاريخ الكيان، لا سيما في ظل الضغط الأميركي لإيقاف الحرب، وإعلان الرئيس جو بايدن بأن “نتنياهو يطيل أمد الحرب في قطاع غزة للحفاظ على موقعه السياسي”، مشددا على “ضرورة أن يبصر مقترحه حول وقف الحرب النور”، لكي يستطيع الخروج من هذه الدوامة التي تحرق أوراقه الانتخابية في ظل الاستطلاعات الكثيرة التي أظهرت تراجعه بشكل كبير لدى الفئات المتعاطفة مع فلسطين والمطالبة بوقف الابادة الجماعية بحق أهلها.
في غضون ذلك، يقف نتنياهو أمام مفترق طرق كل منها يودي به الى الهلاك، فلا هو قادر على الرضوخ للضغط الأميركي كونه سينتهي سياسيا وسيحاكم قضائيا ويدخل السجن بتهمة الاخفاق العسكري وإلحاق الهزيمة بإسرائيل، كما سيواجه غضب اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يهدده بإسقاط حكومته، ولا هو قادر على الاستمرار بهذه الحرب التي تثبت الأيام انها أصبحت عبثية بحسب بعض الجنرالات الذين يؤكدون بأنها فقدت جدواها، ولا هو يستطيع الخروج من إطار الدعم الذي يوفره له جو بايدن الذي خاض حملته الانتخابية بداية على دماء الفلسطينيين ويستكملها اليوم على هزيمة الاسرائيليين بالرغم من أن مقترحه يعطي الكيان أولوية وأفضلية.
ومما يزيد الطين بلة لدى نتنياهو وجنرالاته هي جبهة المساندة اللبنانية التي تصعد من عملياتها ردا على الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على جنوب لبنان، والتي أحرقت صواريخها الجليل الأعلى المحتل، وإستهدفت بعض المستوطنات بإصابات مباشرة، ما كاد يطيّر عقل جنرالات إسرائيل الذين أمعنوا في تهديداتهم بتوسيع العدوان وضرب بيروت وصولا الى الحرب المفتوحة.
هذه التهديدات تلقاها لبنان بهدوء العارف بتفاصيل الميدان، وبثقة المطمئن لتوازن الرعب القائم، وقوة الردع التي تمنع إسرائيل من تنفيذ تهديداتها، إنطلاقا من قدرة المقاومة على التصدي والرد، وهي بين الحين والآخر تُدخل أسلحة جديدة الى الميدان في إشارة واضحة الى ما يمكن أن تفعله في حال إرتكاب إسرائيل أية حماقة.
وما زاد في الاطمئنان البيان الذي أصدره المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وأكد فيه أن كل الاخبار والتسريبات عن تحذيرات تلقاها رئيس الحكومة من أن العدو الاسرائيلي قد يشن هجوما واسع النطاق على لبنان، لا صحة لها وهي تندرج في إطار الضغوط التي تُمارس على لبنان، لافتا الى أن ميقاتي يجري مروحة واسعة من الاتصالات الديبلوماسية في سبيل وقف العدوان الاسرائيلي المستمر على جنوب لبنان.
هي أيام حاسمة على المنطقة برمتها، فإما أن يقبل نتنياهو بالمقترح الأميركي المدعوم دوليا وإقليميًا وعربيا ويواجه تداعياته، وإما أن يستمر في جنونه المنبثق من وحشية اليمين المتطرف، وعندها لن يكون مستبعدا أن يضحي بايدن بنتنياهو لإنقاذ إنتخاباته.
Related Posts