صحيح أن المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان قد سمع مِن كل مَن إلتقاهم، بأنهم يريدون “إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، أمس قبل اليوم واليوم قبل الغد”، لكنه أدرك لاحقا أن هذا الكلام ممنوع من الصرف، إنطلاقا من تمسك كل فريق بموقفه من هذا الاستحقاق.
كثيرة هي التحليلات والتأويلات والمعلومات التي فرضت نفسها منذ وصول لودريان الى لبنان، حيث تعامل البعض مع زيارته بواقعية سياسية وفقا للأزمة التي تحيط بالملف الرئاسي، فيما تعاطى البعض الآخر بالتمنيات وصولا الى “تقويل” لودريان ما لم يقله، وذلك بهدف قطع الطريق على مرشح رئاسي من هنا، وفتحها أمام خيار ثالث من هناك.
تناقضات سياسية بالجملة أثقلت كاهل لودريان المكلف بإعداد تقرير متكامل لعرضه أمام القمة الأميركية ـ الفرنسية التي ستعقد بعد أيام، من الحوار الى التشاور الى الجهة الداعية، والجهة المترئسة، الى الأسماء المطروحة، والأسماء التي يجب أن تنسحب، الى فصل الاستحقاق عن جبهة الجنوب، وربطها بها، الى إدخال القرار 1710 ضمن السلة الرئاسية وإبعاده عنها، الى الطموحات والأنانيات والأحقاد التي تفجرت بأسوأ صورها أمام لودريان الذي غادر لبنان و”رأسه كالطبل” من حجم الانقسامات التي تحتاج الى أكثر من معجزة لمعالجتها.
لم يلمس لودريان أي تقدم على طريق الاستحقاق الرئاسي في زيارته السادسة، بل على العكس ربما وجد مزيدا من النكد السياسي ومن السواتر والحواجز التي تعيق أي تقدم بهذا الاتجاه، باستثناء ما سمعه من الرئيس نبيه بري والذي قد يشكل خارطة طريق للحل، حيث دعا بري الى “التشاور من دون شروط مسبقة، وليس على إسم واحد، بل على سلة من الأسماء، ومن ثم الذهاب الى جلسات متتالية لإنتخاب رئيس للجمهورية”.
موقف الرئيس بري دفع لودريان الى نقل أجواء إيجابية عنه، وجدت إرتياحا لدى الأكثرية النيابية، بإستثناء القوات اللبنانية وحلفائها والتي يبدو أن رئيسها سمير جعجع يرفض عقد أي لقاء برئاسة بري، أو السير بأي خطوة الى جانبه، ما يشير الى حجم السلبية التي يتعاطى بها، خصوصا أنه أدخل القرار 1701 الى المحادثات مع لودريان كشريك مضارب على الملف الرئاسي، مشددا على ضرورة إجراء حوار حوله، في حين يرفض أي تشاور أو حوار حول الرئاسة.
موقف جعجع الذي وضع المزيد من العصي في الدواليب، أظهر أنه يسعى الى ربط الاستحقاق الرئاسي بجبهة الجنوب، ويطلق الاتهامات بذلك بإتجاه الثنائي الشيعي الذي أعلن كل من الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله عدم ربط هذا الملف بالجبهة، وعدم إستثمار نتائج الحرب في الاستحقاق الرئاسي، وشددا على ضرورة إغتنام الفرصة المؤاتية لإنتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن.
يمكن القول أن لودريان خرج من لقاءاته وهو “يضرب كفا بكف” على الواقع اللبناني المتأزم وعلى الأفق الرئاسي المسدود، وبالتالي فإن التقرير الذي سيعده لتقديمه الى القمة الأميركية ـ الفرنسية سيتسم بالسلبية المطلقة، ولعل أخطر ما في ذلك، هو إستمرار بعض قوى المعارضة وفي مقدمتها القوات اللبنانية في الرهان على متغيرات إقليمية ودولية بعد حرب غزة تعيد أجواء العام 1982، خصوصا أن كثيرا من التقارير التي تصدر بهذا الشأن من الدوائر الغربية تقول ذلك، وتدغدغ مشاعرها، سواء في إيصال مرشح منها أو محسوب عليها، أو فكفكة لبنان وإعادة بنائه من جديد وفقا لأهواء معينة، ألا أن الوقائع بحسب مصادر سياسية مواكبة تخالف كل ذلك وقد تشكل صدمة لبعض أصحاب هذه الرهانات التي لا تعدو كونها سراباً يحسبها الظمآن ماءً.
Related Posts