لا شيء يوحي بأن زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في نسختها السادسة الى لبنان والتي بدأت أمس، قد تساهم بتحريك المياه الراكدة في الملف الرئاسي، خصوصا أن ما إنتهت إليه الخماسية لا يبشر بالخير لجهة تمسك كل فريق سياسي بخياراته التي تحول دون إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أمام هذا الاستعصاء المستمر، يعوّل البعض على ما توصل إليه تكتل الاعتدال الوطني من مبادرة حول ضرورة الركون الى التشاور قبل الانتخابات الرئاسية والتي وافق عليها الجميع، بإنتظار تذليل بعض العقد لا سيما تلك المتعلقة بالشكليات لجهة الدعوة الى التشاور وترؤسه.
ويبدو واضحا أن الخماسية فشلت في إقناع المعنيين بالتخلي عن هذه الشكليات، وترك الأمور التشاور الى البروتوكول الذي يحكم مجلس النواب، خصوصا بعدما إعتبرت مصادر مقربة من عين التينة أن “الحديث عن عدم ترؤس الرئيس نبيه بري للتشاور هو ضرب لصلاحيات الرئاسة الثانية وهذا ما لا يقبل به بأي شكل من الأشكال، علما أن كل الكتل النيابية تجتمع في المجلس النيابي برئاسة بري وبالتالي فإن من يضع العصي بالدواليب حول ترؤس التشاور يهدف الى تعطيل الاستحقاق”.
لذلك، فإن من ضمن مهام لودريان في زيارته السادسة، أن يأخذ عن الخماسية عملية إقناع المعنيين بالذهاب الى التشاور من دون شروط مسبقة، وإن كان ذلك لا يحل الأزمة الرئاسية راهنا، لكنه يعطي صورة إيجابية عن جدية الأطراف السياسية في إتمام هذا الاستحقاق، وهو أيضا أمر لا يزال صعب المنال في ظل الانقسامات الحاصلة.
يدرك لودريان ومعه الخماسية وكذلك آموس هوكشتاين أن زيارة لبنان حاليا تقع ضمن التوقيت الخطأ، بفعل إستمرار الحرب على غزة وتطورها بإتجاه رفح، وفي ظل التصعيد المتنامي في الجنوب، لكن وعلى قاعدة “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا”، يسعى الفرنسيون بالتوافق مع الأميركيين على تحضير الأرضية وتذليل كل العقبات وتأمين جهوزية الكتل النيابية، لكي يصار الى تحريك ملف إنتخاب رئيس للجمهورية في اليوم التالي لإنتهاء الحرب على غزة أو حصول هدنة طويلة الأمد، أو ربما العمل على تهريب هذا الاستحقاق في غفلة عما يجري هناك في حال طال أمد الحرب وتم الضغط بهذا الاتجاه لبنانيا، وذلك قبل العطلة الأوروبية وإنشغال الأميركيين بإستحقاقهم الرئاسي.
تشير المعلومات الى أن لا نية لفرنسا بإستضافة حوار للقوى اللبنانية على أرضها، كونها تعلم حساسية ذلك بالنسبة لبعض القوى وخصوصا الثنائي الشيعي، كون هذا الحوار يتعارض مع طروحات الرئيس بري، لذلك فهي تشدد على ضرورة أن يكون التشاور لبنانيا وضمن مجلس النواب.
وتضيف هذه المعلومات أن تكتل الاعتدال الوطني الذي بذل مجهودا مضنيا للتوصل الى إقناع الجميع بالتشاور، سيقدم بعض الاقتراحات الى لودريان عله يستطيع بشكل أو بآخر أن يروجها بين الكتل النيابية، ومن بينها أن يدعو الاعتدال الى التشاور في مجلس النواب وأن يترأسه بري كونه رئيس مجلس النواب ورئيس السن، وأن لا يتبنى مرشحا رئاسيا بل أن يترك لحلفائه أن يطرحوا إسم سليمان فرنجية.
أو أن تكون جلسة النزوح النيابية وما سبقها من تشاور وتوافق بين الكتل في مجلس النواب نموذجا يحتذى في رئاسة الجمهورية، حيث يدعو الاعتدال أو معاون الرئيس بري النائب علي حسن خليل الى الجلسة التشاورية ومن ثم تعقد جلسات متتالية لإنتخاب الرئيس، أو أن يضغط لودريان مع الخماسية على الأطراف المعترضة بما يسهل إنعقاد جلسة التشاور بشكل طبيعي وحسب البروتوكول.
بالرغم من هذه الطروحات، إلا أن الايجابيات ما تزال بعيدة في هذا الملف.
لذلك، فإن لودريان سيعمل على إعداد ملف كامل عن مواقف كل التيارات السياسية والكتل النيابية حول الملف الرئاسي منذ زيارته الأولى وصولا الى زيارته السادسة إضافة الى نتائج مساعي الخماسية، لرفعه الى القمة الأميركية الفرنسية التي ستعقد في مطلع حزيران المقبل، والتي يفترض أن تشكل مفصلا في ملفات كثيرة في المنطقة ومن بينها الملف الرئاسي اللبناني.
Related Posts