دخلت طرابلس بشكل رسمي الى نادي عواصم الثقافة العربية التي لعبت كلٌ منها وعلى مدار سنوات ماضية الدور المنوط بها على صعيد تنظيم الأنشطة الثقافية والأدبية والفكرية والفنية والشعرية والتواصل مع سائر المدن العربية لعقد الشراكات وبروتوكولات التعاون للاستفادة من هذه التسمية في إنعاش الحياة الثقافية فيها بشكل دائم وليس خلال فترة محددة.
بالأمس، فتحت طرابلس ذراعيها للأشقاء العرب ولكل أبناء لبنان، إيذانا بإعلانها عاصمة للثقافة العربية، وببدء الأنشطة المخصصة لهذه الفعالية..
وبرعاية من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبدعوة من وزير الثقافة محمد وسام مرتضى أقيم عرس طرابلس الثقافي في معرض شهيدها رشيد كرامي المُدرج على لائحة التراث العالمي لدى منظمة الأونيسكو، وقدمت أبهى صورة عن مدينة العلم والعلماء وعن فيحاء الثقافة والسياحة والاقتصاد.
ليس حدثا عابرا أن تُعلن طرابلس في هذا التوقيت بالذات عاصمة للثقافة العربية، فلبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غاشم، وجنوبه يقاوم عسكريا وميدانيا، وفي ذلك رسالة واضحة الى العالم أجمع، بأن وطن الأرز عصيّ على الأزمات والتحديات، فمن بندقية المقاومين يخلق توازن رعب مع العدو الغاشم، ومن صعوبات ومعاناة طرابلس يقدم مقاومة ثقافية تكشف عن مخزون حضاري يعانق حضور القدس الأبدي وذلك عبر توأمة كانت شامة على جبين الفيحاء التي لطالما حملت زهرة المدائن في قلبها ونفوس أبنائها، وترجمتها إحتضانا ودعما للقضية الفلسطينية من حق العودة الى الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
يليق بطرابلس أن تُتوّج عاصمة للثقافة العربية، فللمدينة مكانتها وحضورها وخزانها من الموروث الثقافي المعجون بثقافات العصور التي تعاقبت عليها من الفينيقي الى الاغريقي الى الروماني فالبيزنطي والفاطمي والصليبي والمملوكي والعثماني، وإذا كانت آثار بعض العصور قد إندثرت بفعل عوامل الزمن، فإن طرابلس تحافظ على طرازها المملوكي كعاصمة ثانية بعد القاهرة، والأولى التي ما تزال مأهولة، وعلى عمارتها وأسواقها ومعالمها العثمانية، ليجتمع كل ذلك في أكثر من 180 معلما أثريا ضاربا في عمق التاريخ.
وطرابلس مؤهلة لأن تلعب دورها في هذا المجال وفي مجالات أخرى، فهي المنارة المعرفية التي لا تخفت أنوارها، وهي حاضنة الثقافة والأدب، ومحضن المثقفين والطاقات البشرية والشبابية القادرة على الانطلاق في مسيرة التطور والتحديث، وهي المدينة المحورية بموقعها الجغرافي الذي يمنحها القدرة على أن تكون جسر تواصل بين المدن العربية ورافعة نهوض عبر مرافقها الاقتصادية لكل لبنان، وهي الواحة السياحية التي يطل عمقها التاريخي على جزر مينائها الطبيعية قبالة كورنيش بحري هو الأطول في المدن اللبانية الساحلية، وهي المتحف الحي الذي ينبض بالعمل والانتاج ويشكل عامل جذب للبنانيين وللعرب أجمعين.
صحيح أن طرابلس تعاني من أزمات تتوالد وعلى كل صعيد، وربما يرى البعض في ما سقناه من كلام مبالغة كبرى، وأن ما شهده معرض رشيد كرامي كان مجرد فولكلور تنتهي مفاعليه مع إنتهاء الاحتفال ومغادرة الحضور الدولي والاقليمي والعربي والمحلي، لكن دخول المدينة في فعالية “طرابلس عاصمة للثقافة العربية”، يدق جرس الانذار لكل أبنائها، خصوصا أن تنمية المدن وإزدهارها غالبا ما يكون من مسؤولية أهلها الذين يدركون مكامن الضعف فيعملون على تقويته ومكامن الخلل فيسارعون الى إصلاحه، لذلك لا بد من الاستفادة من هذه المناسبة لتنمية قدرات طرابلس على كل صعيد، والحد من كل خلل يمكن أن يسيء الى صورتها أو أن يشوه سمعتها، والتخلي عن الأنانيات والشخصانيات لمصلحة المدينة قولا وفعلا، وهي مسؤولية الجميع بدون إستثناء للاستفادة من هذه الفرصة الذهبية، خصوصا بعدما أعلن وزير الثقافة محمد وسام مرتضى بدعم من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، “طرابلس الدرة”، “عاصمة أولى ودائمة للثقافة في لبنان، اعتبارا من تاريخه، مع ما يترتب على ذلك من نتائج.!”
Related Posts