جعجع.. فائض قوة…بلا أفق!

كتب المحرر السياسي.. 

لم يتخل رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع عن طموحه الرئيس في أن تكون الامرة الناهية له في الوسط المسيحي من دون شريك او منازع. 

قالها منذ الانتفاضة الثانية على قيادة “القوات اللبنانية” التي أخرجت غريمه من المنطقة الشرقية حينها: “انا سمير الاول، لا بشير الثاني”.

وهو بعد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي استطاع من خلالها تشكيل اكبر تكتل برلماني مسيحي مستفيدا من عوامل شتى استطاع استثمارها بذكاء، ومن دعم مالي خليجي واغترابي، ومن قانون انتخابي فتح له الطريق واسعا إلى جبل لبنان الذي كانت معظم أقضيته ممتنعة على “القوات” كليا او جزئيا، بفضل غريمه جبران باسيل الذي تفتقت “عبقريته” عن هذه الصيغة لأنها ضمنت فوزه بأحد المقعدين النيابيين في البترون، وكانت النتيجة أن احتكر “التيار ” و”القوات” المقاعد النيابية المسيحية،على حساب التنوع السياسي والوجوه المستقلة. كالطاووس يتشدق جعجع بأنه الاقوى، والاعلم، والأكثر قدرة على المواجهة، وأن سواه هم مثل “فقاقيع الصابون”: “حالات منكفئة، متداعية، هامشية ،لا وجود لها على أرض الواقع السياسي”.

لدى استقباله وفدا من ناشطين في الشأن العام ضم أعضاء في “الرابطة المارونية” وبعض الذين شغلوا سابقا مناصب عامة، شن جعجع هجوما عنيفا على الرئيس ميشال عون، وانتقد بقسوة جبران باسيل، وقلل من شأن دوره وحضوره. ولم يوفر بكلامه الوزير السابق سليمان فرنجيه وتيار المردة واعتبرهما منعدمي الوجود. ولام زواره على زيارتهم لرئيس “التيار الوطني الحر”، ورأى الا داع لزيارتهم بنشعي. وقد لمس هؤلاء منه ميلا مضمرا إلى “الفيدرالية” من دون أن يقولها بصراحة.

وقال ردا على سؤال حول ما ينتظر المسيحيون في ظل الهجرة، وإنسداد الافق، والتحول الديموغرافي، انه كان في صدد بناء كيان مسيحي متحد ومتماسك يسوده الأمن والرخاء لكن قائد الجيش العماد ميشال عون الذي عين رئيسا للحكومة الانتقالية في العام 1988 أطاح بما كان قد أنجزته القوات بقيادته بنجاح.

ومن يتابع حركة جعجع هذه الأيام يتبين له آلاتي:

١- لم يحسم خياره من موضوع دولة لبنان الكبير أو الفيدرالية.

٢- مراهنته على تطورات خارجية اميركية، وأخرى إسرائيلية متصلة بحرب غزة تضيق الخناق على حزب الله.

٣- القدرة على غسل ذاكرة الرأي العام اللبناني لحمله على نسيان التغطية السياسية للنزوح السوري التي وفرتها “القوات اللبنانية”وحلفاؤها في ١٤ آذار في بدايات الحرب السورية. وذلك باعتماد خطاب شعبوي يرفع السقوف بمزايدات لا تقدم حلولا.

٤- الاعتقاد الراسخ بأن “القوات اللبنانية ” حسمت الأمر لصالح نفوذها في المناطق المسيحية، وأن الاحزاب والتيارات والقوى المعارضة لها تتهافت الواحدة تلو الاخرى، ويغزوها الضمور، وسيكون اثرها وتأثيرها محدودا جدا. وأن الاحزاب والتيارات والقوى المسيحية التي تشاطره الرأي السياسي، ما هي إلا أجرام صغير تدور في فلك معراب. ٥- إن الواقع سيفرض على من هم في الداخل والخارج التسابق على خطب ود “القوات اللبنانية” والوقوف على شروطها. يعلق قواتي سابق يحظى باحترام رفاقه، بأنه لمس لمس اليد، وعاين عن كثب واستنتج منذ اللحظة الأولى التي احكم فيها “الحكيم” قبضته على “القوات اللبنانية” انه مشروع سلطة تحت عنوان “المقاومة”. وإن كان حلم الوصول إلى السلطة حق لكل مواطن. مشروع المقاومة لم يعد له من مجال بعد التوغل في مشروع السلطة. ويقول هذا “القواتي” أن جعجع نجح في إضعاف “حزب الكتائب” إلى أبعد الحدود، ما حمل رئيسه سامي الجميل على سلوك سبيل المزايدة المفتوحة، والذهاب بعيدا في التطرف في محاولة تبدو شبه يائسة للحفاظ على من تبقى بعد هجرة الحرس القديم، الصلب الذي كان له الدور الأكبر في منع جعجع من وضع اليد على الحزب في انتخابات العام ١٩٩٢ الحزبية، وتأمين فوز غريمه جورج سعاده. امابالنسبة إلى الوطنيين الاحرار فإن كميل دوري شمعون مستسلم كليا لارادة “معراب”،في غياب اي مساءلة له من محازبيه الذين ركبوا موجة الهجرة الى الظل. اما بشأن بكركي، فإن جعجع لا يقيم وزنا لدورها، وتعليقاته لا تقل قسوة عن تلك التي يسوقها لاخصامه السياسيين. وتقول اوساط مطلعة أن هذه المعطيات شكلت سببا كافيا للتعامل بحذر مع الاجتماع الذي دعا اليه المعارضة أخيرا في معراب،فجاءت المقاطعة الشاملة من الشيعة الذين “لا يشبهوننا”، والدروز دائمي الحذر ومحترفي تدوير الزوايا. وشبه المقاطعة السنية التي خرقها وجود بعض النواب الذين وصلوا إلى “ساحة النجمة” بالمصادفة، وكسر الحواصل، والمال الكثير ،فيما تمثلت باقي الاحزاب المسيحية بمسؤولين من الدرجة الثانية وما دون. وفي هذا المجال سجل النائب السابق فارس سعيد موقفا جريئا نقض فيه طروحات معراب بدعوته إلى تطبيق الطائف واحترام الميثاق الوطني، ودولة القانون. وعدم الاجتهاد والتفنن في ابتكار مقاربات جديدة لا تصون وحدة لبنان وسيادته.

وادراكا منها لخطورة أن يسيء جعجع استخدام فائض القوة الذي يدعيه، وأن يمضي في مغامراته الالغائية غير المحدودة والمحمودة العواقب، تجري إتصالات مكثفة بين قوى سياسية فاعلة لقطع الطريق على اي محاولة مكلفة للبنانيين عموما، والمسيحيين خصوصا، ووضع خطة متكاملة لمواجهتها، وقد يكون وضع قانون انتخابي جديد والعمل على إقراره، على أن يكون ذا توجه وطني لا يعزز الخطاب الطائفي والمذهبي ويكرسه، كما هي الحال مع القانون المعمول به راهنا، من مرتكزاتها. ويتوقع أن تظهر النتائج وتتضح الخواتيم مطالع الصيف المقبل.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal