يبدو الرئيس نجيب ميقاتي كإطفائي في حقل مشتعل تلتهمه النيران، كلما أطفأ قسما منه سعى لتبريده وعزله من أجل حمايته، ومن ثم مواجهة من يحاول إشعاله مرة جديدة.
فقد أطل الرئيس ميقاتي ليل أمس في لقاء تلفزيوني مع الزميل ماريو عبود على شاشة LBCI، تناول العديد من القضايا المطروحة والملحة لبنانيا وإقليميا، حيث وصف محاوره الاجابات التي قدمها، بأنها دبلوماسية بإمتياز.
ربما كان ذلك صحيحا، حيث تعامل ميقاتي مع الأسئلة بدبلوماسية مسؤولة، وحريصة على عدم تعميق الخلافات والتناقضات في البلد، لقناعته الراسخة بأن لبنان أحوج ما يكون الى رصّ الصفوف ووحدة الموقف في مواجهة الاستحقاقات الكبرى لا سيما الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب وأزمة النازحين السوريين.
كان بوسع الرئيس ميقاتي التحدث بشعبوية ورمي المسؤوليات وإطلاق الاتهامات ونفض يده من الأزمات بإعتباره رئيسا لحكومة تصريف أعمال أنهكها تعطيل بعض التيارات السياسية إنتخابات رئاسة الجمهورية على مدار سنة ونصف السنة، لكنه لم يفعل، ولم يتهرب من المسؤولية، رغم إلحاح الزميل عبود في أسئلته التي لم تؤثر على دبلوماسية “أم الصبي”، فكان ميقاتي عصيا على الانجرار الى مواقف تهدد الاستقرار وتضرب الايجابيات المطلوبة في مقاربة الشأن الوطني اللبناني.
أكد ميقاتي في إطلالته أمس، أن المصلحة الوطنية العليا هي التي ترسم آداءه السياسي وسلوك حكومته، وأنه أبعد ما يكون عن الكراهية والكيدية السياسية والابتزاز، وأن ما يحركه مصالح البلد لا زواريبها السياسية الضيقة، لذلك فقد حرص في كل الملفات التي تناولها على مقاربات بعيدة كل البعد عن الطائفية والمذهبية والحزبية والشخصانية.
لم يتهرب ميقاتي من تحمل المسؤولية الوطنية، فترأس الحكومة وحمل كرة النار في مرحلة في غاية الدقة والتعقيد والخطورة، حيث كان البلد على شفير هاوية جهنم، تعصف به الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية، فتقدم غير آبه بكل هذه الصعوبات التي تضاعفت لكنها لم تثنه عن الاستمرار في التفتيش عن المعالجات والحلول، ليقف رئيس الحكومة اليوم ويقول لكل اللبنانيين أن وطنهم بخير وأننا في حال إنتهينا من العدوان الاسرائيلي الغاشم والظالم واستثمرنا الصيف بشكل جيد، فسنحقق المزيد من الانجازات لأننا نسير على الطريق الصحيح، كاشفا أن لبنان حقق وفرة مالية وأنه لن يمسّ الحساب 36 في مصرف لبنان، وأن لا مصاريف خارج إطار الموازنة، وأن الشروع في إنجاز المشاريع الخدماتية والانمائية رهن بإصلاح الادارة وإنتظام عمل المؤسسات وسدّ الشواغر حتى نستطيع تفعيل الرقابة والمحاسبة وضبط مزاريب الهدر والفساد، من دون أن ينسى هموم موظفي القطاع العام الذين من حقهم أن يعيشوا حياة كريمة برواتب تمكنهم من مواجهة الأعباء.
الرئيس ميقاتي ليس صندوق بريد، لا دولي ولا إقليمي، وليس ممثلا لثنائي أو ثلاثي أو رباعي، وهو لن يتأخر عن إطلاق أي مبادرة وطنية اذا نضجت المعطيات والتسويات وتحديدا لإنتخاب رئيس عتيد للبلاد ولن يوفر جهدا في حماية الهيكل اللبناني من أي هبّة قد تعرضه للإنهيار.
“لا فرق بيني وبين الرئيس نبيه بري ولن أسمح لأحد أن يدخل بيننا لأننا نتكامل ونتعاون” يقول ميقاتي، وهذا هو الفهم الصحيح للعلاقة التي يجب أن تقوم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن تكون تكاملية عنوانها التواصل الدائم لمعالجة الأزمات وإيجاد الحلول الناجعة.
بشفافية كاملة تعاطى الرئيس ميقاتي مع ملف النزوح السوري وتداعياته بعدما نجح في إيجاد لوبي أوروبي لدعم وجهة نظر الدولة اللبنانية حياله وللمساهمة في تقديم المساعدات المالية لها، وهو أكد أن لا تفريط بسيادة البلد، وأن المعالجات بدأت وستستمر بوتيرة أعلى، وأن لبنان لن يكون مقرا لأي مخالف للقوانين المرعية الاجراء وهو الحل الأمثل لهذه القضية الشائكة، ولم يفت ميقاتي التأكيد على البعد الانساني لملف النزوح، بقوله: “إن السلطات المختصة ستراجع أماكن سكن النازحين في سوريا وستكون حريصة على عودة آمنة لهم، وستراعي حقوق الانسان في تعاطيها مع من لديه مشاكل أمنية وسياسية مع السلطات السورية”.
يمكن القول، إن لبنان بأمس الحاجة في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة الى هذه الدبلوماسية الحريصة والمسؤولة لتجاوز أكثر من قطوع سياسي وأمني وإقتصادي وإجتماعي وللحفاظ على المصالح الوطنية العليا.
Related Posts
