شارك وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال محمد وسام المرتضى في افتتاح اكاديمية الراحل الياس الرحباني الموسيقية في جامعة البلمند في حضور ورعاية صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، دولة الرئيس الأستاذ تمام سلام، دولة نائب رئيس مجلس النواب الأستاذ الياس بو صعب، وزير الطاقة وليد فياض وزيرة الدفاع السابقة السيدة زينة عكر، والنواب اديب عبد المسيح، اشرف ريفي ،فادي كرم رئيس جامعة البلمند الدكتور الياس وراق، الأستاذ غسان رحباني، عدد كبير من الشخصيّات السياسيّة، الدينيّة، الفنيّة، التربويّة، والإعلاميّة، العمداء والمدراء في الجامعة وقال وزير الثقافة في كلمة له: “ما أظنُّ بقعةً من أرضِ لبنان يصحُّ فيها هذا الشعرُ لسعيد عقل، أكثرَ من البلمند. فهذه الهضَبَةُ الجميلةُ التي وهبَتِ المنطقةَ اسمَها، بما تحويه من صروحٍ روحية وعلمية، ليست سوى مرقاةٍ إلى السموات العلى، حيثُ شرَّعَ الله سبحانه فيها بابَينِ اثنينِ: واحدًا من أجل الصلاةِ والتعبد لاسمه القدوس، وآخرَ لخدمة الإنسان، كي تصيرَ للناسِ الحياةُ، وتصيرَ أفضل، وتكونَ مشيئةُ ربِّهم “كما في السماءِ كذلك على الأرض”.
الإنسان. الغايةُ الأصلُ والمقصدُ الأسمى لجميع الأديان والرسالات، جسَّدَتْها كنيسة أنطاكيا على مرِّ عصورِها المشرِقةِ والمظلمة، في أيام الرخاء كما في أزمنة الضيق، اهتمامًا فائقًا بخلاص النفوسِ وترقيةِ الحياة لكلِّ من انتمى إليها مهما كان عرقُه وقوميتُه. ذلك أنَّ كنيستَها قد تكونُ منذ نشأتِها الوحيدةَ التي ضمَّت إلى رعايتِها أقوامًا شتى من أهلِ أرضِها، يونانيين وعربًا وسريانًا وفرسًا وأكرادًا ويهودًا مهتدين وسواهم، حتى لَتبدو كأنَّها أوَّلُ جمعية للأمم المتحدة، تلاقى بنوها على إيمانٍ واحدٍ بالله وانصرافٍ رسوليٍّ إلى خدمة الإنسان. وعلى الرغم من جراحات التاريخ وصراعات الأفكار وتنازعاتِ المصالح السياسية التي تراكمت عليها طَوالَ مسيرةِ نضالِها، يحقُّ لنا أن نطرحَ على أنفسِنا هذا السؤال: أوَلَيست صورةُ التنوع في الوحدة التي عرفتها أنطاكيا، أعني تنوعَ الناسِ في وحدةِ عيشهم معًا بمقتضى الإيمان الذي اعتنقوه، هي في العمقِ الصورةُ نفسُها التي نتغنى بها نحن اللبنانيين، ونأمُلُ أن تسود حياتَنا الوطنية، كي نلتقي بها جميعُنا على كلمةٍ سواء هي حبُّ الوطن وسيادتُه وكرامةُ الإنسانِ وسعادتُه؟
الإنسانُ مرةً ثانية. أحسَبُ أنْ لأجله كانت هذه الجامعة منذ تأسست، منارةَ علومٍ وآدابٍ ولاهوت، ومتكأً لارتقاءِ طلابِها على سلّم العلم والعمل، إلى أعالي طموحهم ورجائهمِ بالغدِ الأفضل. اليوم تشْرِعُ جامعةُ البلمندِ أبوابَها لمزيدٍ من المسؤولية التربوية والثقافية، فتستضيفُ في رحابِها أكاديمية للموسيقى باسم الراحل الكبير المبدع الياس الرحباني، كي تضيفَ إلى أبعادِ رسالتِها المتعددةِ المقاصد، سلَّمًا موسيقيًّا يرتقي عليه الطلاب إلى معارجِ الخيرِ والجمالِ والسلام.
وهل أرقى إضافةً من هذا التراث، تراث الرحابنة الذي وحّد وما برح يوحّد اللبنانيين، والذي كان في حِقْبةِ تألُّقِه، وما برح، الوجهَ الحقيقيَّ لوطنٍ مزَّقَت ملامحَه يومذاك سكاكينُ الحرب المسنونةُ أولًا على الأبرياء؟ اليوم، فيما تفعلون، تقولون لنا يا صاحب الغبطة، وتقول من بَعْدِكم جامعةُ البلمند وأكاديميةُ الياس الرحباني للموسيقى، إنَّ كلَّ آلةٍ موسيقية مستقلةٌ عن أختِها، وكلَّ حنجرةٍ تحمل بصمةَ صوتٍ مختلفةً عن سواها، لكنها معًا تصبحُ عالمـًا من جمالٍ وخير.
هكذا الوطن يريدُ منا أن تكون حياتُنا فيه على شبهِ تختٍ موسيقيٍّ متآلفِ الإيقاعات والأناشيد، وإلا صرنا إلى وجودٍ نشاز. بل إنني أخشى أن نكون دخلناه فعلًا، من بواباتِ أزماتنا المتلاحقة، التي آخرُها العدوان الإسرائيلي المتمادي على غزة وفلسطين ولبنان وسوريا، من دون رادعِ ضميرٍ أو حياءٍ أو قانونٍ دولي. لكننا بالموسيقى سنجعلُ الحياةَ فضلى، وبالثقافة سننتصر، وبالحرية والكرامة سنسيِّجُ وجدَنا الوطني.
مباركٌ هذا اليوم الأغر، ودمتم يا صاحبَ الغبطة، دامت جامعة البلمند ودام لبنان.
Related Posts