وضعت عملية خطف منسق حزب القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان لبنان على صفيح ساخن، خصوصا أن الشارع الغاضب لم يكن يحتاج إلا لشرارة صغيرة بعد أشهر من التحريض السياسي والشحن الطائفي الذي مارسه من يريد إستمالته، فكيف بعملية مثل خطف منسق القوات؟.
كثيرة هي التساؤلات التي يمكن أن تطرح حول عملية الخطف، خصوصا لجهة التوقيت الذي يواجه فيه الأفق السياسي وإتمام الاستحقاق الرئاسي إنسدادا كاملا، وتبلغ الانقسامات في البلاد حدها الأقصى، فيما جبهة الجنوب تشتعل والتهديدات الاسرائيلية تتعاظم بشن حرب شاملة على لبنان، إضافة الى المكان الذي تمت فيه عملية الخطف بين بلدتي الخاربة وحائل وصولا الى مسقط رأس سليمان ميفوق حيث عثرت الأجهزة الأمنية على هاتفه الخليوي، وهي بلدات في قضاء جبيل ذات أغلبية مسيحية، فضلا عن أن عملية الخطف تمت في وضح النهار من قبل مسلحين مكشوفي الوجه جالوا بالمخطوف سليمان بين تلك المناطق وصولا الى الاتجاه نحو جرود البترون كما أظهرت كاميرات المراقبة التي قامت الأجهزة الأمنية لتحليل محتواها، ولعل الأمر الأبرز، هو التسجيل الصوتي الذي تحدث عن تفاصيل عملية الخطف والذي بقي صاحبه مجهولا، لكنه ضاعف من شحن النفوس، فمن هو صاحب التسجيل طالما انه صديق سليمان ويتحدث معه خلال عملية الخطف؟!..
كل ذلك يؤكد أننا أمام عملية خطف غامضة الأهداف، وربما تكون سياسية أو أمنية أو ثأرية أو شخصية أو غير ذلك.
لكن اللافت أن نواب الجمهورية القوية وحلفاءهم من الكتل النيابية والاحزاب وجمهورهم، وبالرغم من توجيهات معراب بضرورة التهدئة، لم يعطوا فرصة للقوى الأمنية بأن تقوم بعملها في السعي لإظهار حقيقة الأمر، بل سارعوا الى مزيد من التحريض والتهديد والوعيد، وإتخذوا خطوات تصعيدية بإقفال الطرقات والدعوة الى الاضراب العام في جبيل، ووضع البلاد على شفير فتنة داخلية في ظل إستباق للتحقيقات وبناء الفرضيات وتقديم الاجتهادات.
وما يثير الاستغراب هو جنوح بعض من يجب أن يكونوا على مستوى المسؤولية الوطنية الى الايحاء بالتوجه نحو الأمن الذاتي، من خلال التهديد “بحماية أنفسنا اذا لم تتمكن الدولة من إستعادة باسكال سليمان، وكأنهم بذلك يترجمون الدعوات السابقة الى الفيدرالية أو الى التقسيم، في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد الى الخطاب العقلاني الهادئ الذي يحافظ على ما تبقى من الدولة وأجهزتها.
منذ شيوع خبر خطف سليمان، إستنفرت الدولة بكامل أجهزتها الأمنية، وأعطى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توجيهاته الى وزير الداخلية بسام المولوي وقائد الجيش العماد جوزيف عون بتكثيف التحقيقات والتنسيق في ما بين الاجهزة الامنية لكشف ملابسات القضية في اسرع وقت واعادة المواطن سليمان الى عائلته سالما.
وقد تابع المولوي وعون القضية خطوة بخطوة وشددا على الأجهزة الأمنية والعسكرية لبذل أقصى الجهود لكشف الملابسات.
قد يكون من حق القوات اللبنانية وحلفائها التعبير عن التنديد والاستنكار على عملية الخطف وممارسة الضغط على الدولة وأجهزتها لكشف مصير باسكال سليمان وملابسات إختطافه، لكن أحدًا لا يحق له أن يصدر أحكاما مسبقة أو أن يقدم فرضيات أو أن يبدأ بالاستثمار في الشارع، للتشويش على عمل الأجهزة الأمنية وتحقيق بعض المكاسب، لأن ذلك من شأنه أن يجر البلاد في هذه الظروف العصيبة الى فتنة ليست في مصلحة أحد، وقد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه!..
Related Posts