خاص ـ سفير الشمال
في يوم الجمعة الأخير من رمضان، وبعد صلاة الظهر، يتألق مسجد الأمير سيف الدين طينال (وهو ثاني مساجد المدينة من الناحية التاريخية والأثرية) في إحتفال ختم صحيح البخاري، الذي يبدأ المؤمنون بقراءته من منتصف شهر رجب ويختتم في اليوم الجمعة الأخير من رمضان، حيث تتلى السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة وأركان الاسلام، وتتنافس خلاله فرق الانشاد الطرابلسية على تقديم أجمل وأبهى المدائح النبوية، وتنفرد طرابلس في إحياء هذه الشعيرة بين كل المدن العربية.
أول من قام بقراءة صحيح البخاري وختمه هو العلامة الفقية المحدث الشيخ محيي الدين الخطيب، ثم إنتقلت المهمة بعد وفاته الى الشيخ محمد الخطيب، وبعد وفاته أسندت إلى دائرة الأوقاف الاسلامية مهمة إقامة الختم الشريف، فعهدت بالأمر الى الشيخ الدكتور ماجد درويش الذي يعكف على قراءته وختمه منذ سنوات.
ويشرح الشيخ ماجد درويش التفاصيل المتعلقة بختم صحيح البخاري، فيقول:
ختم صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى تقليد يعود إلى عام ١٣١٣ه عندما تمت طباعة صحيح الإمام البخاري؛ بأمر من أمير المؤمنين السلطان عبد الحميد خان الثاني رحمه الله تعالى، وكانت أول طبعة متقنة لصحيح البخاري، تم الانتهاء من طبعها كما جاء في آخر النسخة «في أوائل الربيعين سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة وألف(1313) من هجرة خاتم الرسل الكرام عليه وعلى آلهوصحبه أفضل الصلاة وأتم السلام» بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر المحمية؛ وزعت نسخ منه على بلاد المسلمين ومنها طرابلس الشام، وعيِّن لقراءته يومها فضيلة العلامة الفقيه المحدِّث الشيخ محيي الدين الخطيب المتوفى سنة (1372هـ) رحمه الله تعالى. وكانت المجالس تبدأ في شهر رجب وتنتهي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.
ثم انقطعت هذه المجالس بوفاة الشيخ محيي الدين، سوى مِن عقد مجلس للختم شكلي في الجمعة الأخيرة من رمضان يُقرأ فيه الباب الأخير من الصحيح، وتُلقى فيه القصائد والمدائح، حتى صار نوعا من الفولكلور أكثر منه مجلس قراءة. وكان يتولى قراءة مجلس الختم الدكتور محمد الخطيب قريب الشيخ محيي الدين رحمهما الله تعالى..
وبعد وفاة الدكتور محمد الخطيب أسندت إليّ دائرة الأوقاف مهمة إقامة الختم الشريف، فعزمت على أن يكون حقيقيا لكامل الصحيح وليس مجرد قراءة الباب الأخير منه.
واليوم، بفضل الله تعالى عاد المجلس إلى حقيقته، فقد تمت قراءة الصحيح كاملا مع الشرح المحتاج معه إلى فهم الأحاديث والأحكام من كتاب (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) للحافظ بدر الدين العيني المتوفى سنة (855 هـ) رحمه الله تعالى. ووصلنا بفضل الله تعالى إلى الباب الأخير من كتاب التوحيد الذي هو الكتاب الأخير من صحيح البخاري.
ما اسم كتاب صحيح البخاري؟
«معلوم أن عناية المؤلفين واختيارهم لوضع أسماء كتبهم المعبرة عن مضمونها ومحتواها يحتل من اهتمامهم المقام الأول لأن العنوان للكتاب هو الدال على ما فيه». والإسم الذي وسم به البخاري كتابه، هو (الجامع المسنَد الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه).
أما تسميته (بالجامع) فلأنه حوى جميع فنون العلم، من: حديث، وعقائد، وفقه، وسير، ورقائق، وكل ما يتعلق بالإنسان المكلف من أحكام في حالتي الحياة والمماة.
وقوله (المسنَد) لأنه أورد الأحاديث الأصول فيه مسندة.
وقوله (الصحيح) لأنه لم يذكر في أصول صحيحه إلا حديثا صح عنده.
وقوله (المختصر) لأنه اختار أحاديثه وانتقاها من ستمئة ألف حديث صحيح يحفظها، فهو لم يشترط إخراج كل الصحيح عنده، وهذا ما جعل العلماء يتكلمون في سبب اختياره، فحملوا ذلك على المذهب الذي ارتضاه لنفسه في الفروع والأصول، حتى قالوا: فقه البخاري في تراجِم أبوابه.
قوله (من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم)أمور جمع أمر، وهو الشأن، وشؤون النبي صلى الله عليه وسلم هي سيرته لأنها التطبيقُ العملي لأحكام الإسلام. والمراد بها هنا الفرائض الشرعية التي مرجعها إلى بيانه صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى في آخر سورة الزخرف: ﴿ألا إلى الله تصير الأمور﴾، أي: ترجع الأمور، فيفصلها ويحكم فيها. ويؤكد أن (أموره) صلى الله عليه وسلم هي بيان الفرائض التي حواها الإسلام على سبيل الفعل أو الترك، قول البخاري في تعريف الكتاب:
(وسننه) فالسنة ما سنه النبي صلى الله عليه وسلم، والفرائض ما شرعه الله تعالى. فجمع الصحيح أحكام (الكتاب والسنة).
وقوله (وأيامه) أي المغازي والسير.
فالكتاب حوى كل هذه الأمور لذلك سمي بالجامع.
السند المتصل إلى الإمام البخاري ومنه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اختص الله تعالى هذه الأمة المحمدية بخاصة الإسناد وهو رواية الحديث النبوي الشريف بسلسلة الروضة المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عبر عن ذلك بعض شيوخنا بأن الراوي بالإسنلد المتصل يشبه من يمسك حبلا طرفه الأول في يده، والطرف الآخر بيد رسول ألله صلى الله عليه وسلم. لذلك أتشرف بذكر أحد أسانيدي إلى صحيح الإمام البخاري رحمه الله:
أنبأنا شيخنا عبد الفتاح أبو غدة الحلبي الحنفي دفين البقيع المتوفى سنة 1417هجري رحمه الله تعالى إجازة، عن شيخه الشيخ عبد القادر الشلبي الطرابلسي الحنفي دفين البقيع المتوفى 1369 هجري رحمه الله تعالى، عن شيخه محيي الدين الخطيب الطرابلسي الحنفي المتوفى سنة 1372 هجري رحمه الله تعالى، عن شيخه العلامة الكبير الشيخ محمود عبد الدايم الحسني المشهور بنشابة الطرابلسي الشافعي المتوفى سنة 1308هجري رحمه الله تعالى، عن شيخه العلامة مصطفى بن محمد الـمُبّلِّط الأزهري المتوفى سنة 1284هجري، رحمه الله تعالى، عن شيخه الأمير الكبير محمد بن محمد السنباوي المالكي الأزهري المتوفى سنة 1232هجري رحمه الله تعالى في أسانيده المثبتة في ثبته الشهير. إلى الإمام محمد بن إسماعيل البخاريالمتوفى سنة 256 هجري رحمه الله تعالى، في صحيحه، وهو بأسانيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
Related Posts