بدا واضحا أن ثمة هوة سحيقة بين طروحات اللجنة الخماسية وسفرائها في لبنان وبين الواقع السياسي القائم والمثقل بالخلافات والإنقسامات حول الاستحقاق الرئاسي الذي كلما بُذلت جهود لإزالة الحواجز من أمامه سارع البعض الى رفع المزيد منها بناء على أجندات ومصالح بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية العليا.
كلام الخماسية التي إلتقى سفراؤها أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة والبطريرك الماروني بشارة الراعي، يُشبه الى حد بعيد “منطق الأطباء الذين يداوون مريضا لا أمل له في الشفاء”، حيث لا يمتلك هؤلاء سوى الحديث عن التمنيات بحصول تفاهم بين الأطراف لانتخاب رئيس، في حين أن هذا التفاهم ما يزال مفقودا، لا بل هو غير موجود أصلا في بلد يغني كل طرف فيه على ليلاه.
في غضون ذلك، جدد الرئيس نبيه بري ثوابته أمام السفراء وإستعداده لبذل كل الجهود لإتمام الاستحقاق بعد التشاور بين الكتل النيابية والتوافق على مرشح أو أكثر، بما في ذلك دعم مبادرة الاعتدال، مؤكدا أن اللقاء كان إيجابيا، وهو ما عبر عنه أيضا السفير المصري علاء موسى الذي تحدث بإسم الخماسية مؤكدا أن الحدة في المواقف بدأت تتراجع.
لكن الكلام “تطييب الخاطر” للسفير موسى، كان على نقيض مع كثير من المواقف التي أطلقت بالتزامن مع جولة السفراء الذين سمعوا كلاما مغايرا من البطريرك الراعي الذي إستغرب “سلوك طريق شائك رافضا أية أعراف جديدة حول الاستحقاقات الدستورية”، ومشددا على أن “الدستور واضح في هذا الاطار كبوابة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وفتح أبواب المجلس النيابي”.
كلام البطريرك أعاد الجهود المبذولة لتسهيل إنتخاب رئيس للجمهورية الى المربع الأول، فهو أجهض مساعي السفراء الرامية الى جمع الكتل النيابية على طاولة تشاور ونقاش تمهيدا للتوافق، كما أصاب مبادرة تكتل الاعتدال الوطني الحوارية بالصميم وصولا الى تعطيل مفاعيلها، وفي الوقت نفسه رفض بشكل غير مباشر طلب النائب جبران باسيل بدعوة النواب المسيحيين الى طاولة حوار تحت سقف بكركي.
وما أفلت من البطريرك كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع له بالمرصاد، وهو يبدو أنه يعمل على إستهداف كل المبادرات من أي جهة أتت، حيث سارع الى إطلاق النار على دعوة باسيل لانعقاد الحوار المسيحي مطالبا إياه بشرط يهدف الى عزله سياسيا بالكامل، كما يحاول جعجع في الوقت نفسه إستغلال مبادرة تكتل الاعتدال لتصفية الحسابات مع الرئيس بري ومصادرة صلاحياته، فضلا عن وقوفه بوجه أي حوار بحجة أنه لن يفضي الى أي نتيجة، وفي ذلك ما يشبه “التنجيم” حول نتائج هذا الحوار الذي لم يسبق لأحد أن إشترط نجاحه قبل حصوله، خصوصا أن الحوار دائما ما يكون بين مختلفين يحاولون من خلاله الوصول الى قواسم مشتركة أو تفاهمات، ولا يمكن لأي كان أن يتكهن بما سينتج عنه.
وفي الوقت الذي قطع فيه جعجع الطريق على سفراء الخماسية قبل وصولهم الى معراب اليوم للإجتماع به، فإن النائب جبران باسيل يسعى الى فك الحصار عنه بالدعوة الى التلاقي المسيحي على غرار الجبهة اللبنانية في السبيعينيات من القرن الماضي، وهو توجه طائفي يعكس حالة التخبط التي تسيطر عليه، والتي تترجم بمواقف متناقضة الى أبعد الحدود.
في الخلاصة، يمكن القول، إن ما يجري يجدد التأكيد على أن أزمة الرئاسة اللبنانية هي مسيحية أو مارونية بالدرجة الأولى، وأن الخماسية تسعى للحفاظ على وجودها من خلال جولات لا طائل منها، وأن كل الأطراف السياسية قد إقتنعوا بأن البحث في الاستحقاق الرئاسي مؤجل الى ما بعد إنتهاء العدوان على غزة، مع رهان البعض على متغيرات دولية وإقليمية تساعد على أن يصب الاستحقاق الرئاسي في مصلحته!..
Related Posts