فيما كانت بيروت تنتظر وصول السيد آموس هوكشتاين مستشار الرئيس الاميركي لشؤون امن الطاقة كان العضو في حكومة الحرب الاسرائيلية بيني غانتس يصل الى واشنطن، بدا التزامن سباق مع زمن بُعْدآ عن صدفة وإن تفاوتت الاهداف كما الاولويات، اذ مِن لبهما ما سقط بعد ترقب مأمول: وقف مرحلي لاطلاق النار في قطاع غزة مُتَوأم مع جبهة جنوب لبنان، اطلاق سراح الاسرى لدى حركة حماس مع اخلاء سبيل المعتقلين في سجون الاحتلال.
زيادة وتسهيل دخول المساعدات الانسانية الى غزة والتوقف عن قصف قوافلها، فيما اتى لافتآ في التوقيت الاعلان الاميركي عن انشاء الميناء البحري (المدرج أساسآ في اتفاقية اوسلو الاولى عام 1993) الذي سَبَقَ وبوشر به عام 2000 ثُم توقفت الاعمال بعد فرض الحصار من قبل العدو ما أعاق توريد مواد البناء..!
على صعيد الزائر الاول كان يومه اللبناني حافلآ باللقاءات مثيرآ غبارآ نتيجة توسيع البيكار عَلى ما يُقال، حضوره كان طاغيآ بما أُسبغ عليه من تغطية دولية سواء عَلى سفراء اللجنة الخماسية ام عَلى صعيد الحراك المحلي لكتلة الاعتدال الوطني المكلفة مراجعة الطقس السياسي وتعبئة الفراغ استجارة مِن الرمضاء بالنار. فيما اقتصر النقاش بالمختصر على وقف الاشتباك مع العدو جنوبآ، وآلعودة الى تطبيق مختلف عن السابق او اكثر إلتزامآ للقرار الاممي 1701.. ما هو مرتفع المنسوب كان تحذيره المكرر مِن انفلات الوضع العسكري الى حرب دون ضوابط مِن رسائله المتجددة مؤخرآ سُقوط صاروخ GBU39 في خراج بلدة حراجل الكسروانية، قابله من السلطتين السياسيتين الثانية والثالثة شرح انعدام امكانية تهدئة الجبهة جنوبآ قبل وقف شامل لاطلاق النار في غزة.. فيما سجل تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي بعد محادثات مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، “ان الخيار العسكري لحلّ النزاع على الجبهة مع لبنان لا يزال يجاور الخيار الديبلوماسي”.
اما زائر واشنطن فالتقى نائبة الرئيس الأميركي كاميلا هاريس، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وعلى ما اعلن كان النقاش حول مرحلة “اليوم التالي” بعد انتهاء الحرب او بداية الهدنة، كذلك الآلية المرسومة والتدابير التي ستعتمد لادارة القطاع والاجراءات الامنية التي ستتخذ. واذ عكست الزيارة انشطارأ حادآ في القيادة السياسية والامنية الاسرائيلية توحدت الاعتراضات او تفاوتت بوجه قرارات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لكنها لم تزعج واشنطن كثيرآ ان لم نقل شجعت عليها بعد ترسيم وتكريس بيني غانتس عَلى مقعد الاحتياط لترؤس اية حكومة مقبلة..
بالعودة الى الوضع اللبناني المأزوم يشهد الداخل كما الخارج على سقوط الدولة كسقوط الصفر من عد الحساب، انهيار هائل غير مسبوق للكيان فيما احتمالية ترميم قطاعاتها المصرفية ومؤسساتها الرسمية المترهلة او الغائبة معضلة تتطلب إلتزامآ وطنيآ لا مصلحيآ نَدر، يتوازى مع اطلاق خطة اصلاحية شاملة هي في الاصل بعيدة المنال، نتيجة عجز الطاقم الحاكم عن وقف الاشتباك السياسي من سببية عميقة باتَت وجودية تفرض نفسها موضوعيآ في تبني احد خيارين اما انفكاك ايجابي او ارتباط متبادل في “قضايا الاقليم” ..!
مِن جهة اخرى، الطبقة السياسية في معظمها سقط متاع، الانقسام الافقي سِمَة غالبة على شرائح المجتمع اللبناني ، فيما العامودي موروث ضارب في الجذور طائفيآ واقطاعيآ وان ارتدى ثوبآ حزبيآ أحيانآ..! ما طفا على سطح الازمات طروحات اشد فتكآ بالوطن تبدأ بقضية اللاجئين السوريين وانعدام القدرة كما الارادة عن مواجهتها ولا تنتهي بلامركزية ادارية ومالية باتت تنحو جهارآ نحو فدرالية بقع جغرافية، صَبغة كل منها أحادية طائفية مرتهنة ثقافيآ وإيديولوجيآ إما لثقافة موت او حياة..!
أخيرآ، عَلى مَدى مئة عام كان وما زال التاريخ السردي لفترة الفراغ الرئاسي ضرب مكرر لأسس الكيان.. الطيف المرئي لمكونات الرئيس الجسدية والفكرية متوفرة لا نادرة، امر غير جائز ومؤسف ان تحمل العامة قناعة تروج سُخرية (سيان) بمعنى “مثل بعضها سواء وجد رئيس ام لم يوجد”.. ارتباط لبنان بلعنة الجغرافيا تجعله رهينة الوضع الجيوسياسي في الاقليم، لكن تكبيله من الداخل بايدي ساسته جريمة مشهودة متماهية لا عذر فيها ولا تبرير..!
الكاتب: العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد، كاتب وباحث..
Related Posts