دخل شهر رمضان المبارك ولم يتوقف العدوان على غزة لا من خلال اتفاق نهائي على وقف إطلاق النار ولا على شكل هدنة مؤقته، في حين راوحت المفاوضات التي إستضافتها مصر مكانها ولم تسفر عن أي نتيجة إيجابية ما دفع وفد حركة حماس الى مغادرتها، على أن يعود عندما يشعر أن هناك شيئا ملموسا يمكن البناء عليه.
يبدو أن الاتصالات الجارية لن تبدل من واقع الأمر شيئا خصوصا في ظل اللاءات المتبادلة بين إسرائيل والمقاومة، حيث تدرك حكومة الكيان ان أي وقف نهائي لإطلاق النار سيكون وبالا عليها في الداخل الاسرائيلي الذي يستعد لاسقاط رئيسها بنيامين نتنياهو بالضربة القاضية.
في حين تزداد المقاومة تمسكا بورقة الأسرى التي لا تملك سواها، وبالتالي فإن أي قبول بهدنة مؤقتة للافراج عنهم يعني أنها سلمت رقبة المقاومين الى العدو، كما أن التضحيات التي قُدمت في غزة على صعيد الشهداء والجرحى والمفقودين والدمار والمجاعة لم تعد تسمح لأي كان بأن يفرط في الشروط التي وضعتها قيادة المقاومة من الوقف الكامل والنهائي لاطلاق النار، الى اعادة الاعمار وادخال المساعدات والانسحاب من القطاع.
لا شيء يوحي أن وقف العدوان سيكون قريبا في غزة، فالمفاوضات جُمدت والاتصالات على قاعدة “دق الميّ ميّ”، بينما العدو الغاشم يمعن قتلا وتهجيرا وحصارا وتجويعا بالصائمين الذين يفتشون عن كسرة خبز تسد رمقهم، وهو بدأ يفرض أمرًا واقعا جديدا على الأرض في غزة من خلال التواصل مع بعض العشائر في محاولة لتأليبها على المقاومة، إضافة الى العمل الحثيث بين أميركا وإسرائيل لإيجاد بديل عن معبر رفح، من خلال ميناء بحري لحصر دخول البضائع عبره وتسليمها الى الأونروا مباشرة، إضافة الى السعي الحثيث لفصل القطاع عن مصر والدخول الى رفح من معبر فلادلفيا وهو أمر لا يحظى حتى الآن بغطاء أميركي أو دولي، خصوصا في ظل الغضب الذي يعم الرأي العام العالمي من جرائم اسرائيل بحق الفلسطينيين المدنيين وخصوصا الأطفال منهم.
ثمة سؤال كبير حول موقف مصر من الاجراءات الأميركية الاسرائيلية لجهة بناء ميناء بحري، وفصل القطاع عنها خصوصا أن ذلك يمس بالأمن القومي المصري، وينعكس سلبا على الاقتصاد وحركة التجارة ويوقف أعمال الآلاف من المصريين الذين يشكل لهم المعبر مورد رزق هام جدا، كما سيؤدي ذلك حتما الى تراجع دور مصر كدولة عربية كبرى بعدما فقدت الكثير من الأوراق في الدول العربية المحيطة وأهمها ورقة معبر رفح.
في غضون ذلك، تستمر لعبة عض الأصابع، ففي الوقت الذي تتنامى فيه الضغوط الدولية على إسرائيل التي تواجه كمّا هائلا من الأزمات، إستعادت المقاومة أمس زمام المبادرة حيث نفذت أربع عمليات ضد العدو، أبرزها تفجير منزل بجنود صهاينة وقنص جندي صهيوني، ولا شك أن العمليتين حملتا كثيرا من المؤشرات خصوصا أنهما حصلتا في شمال غزة ما يؤكد ان العدو بعد كل ما إرتكبه من إجرام على مدار ١٥٦ يوما ما يزال غير آمن في أي مكان من القطاع.
ولعل ما يضاعف من المخاوف الاسرائيلية هي ان يتحول الصراع الدائر في غزة والضفة مع العدو الاسرائيلي الى صراع ديني، خصوصا اذا ما تمادى الجيش الصهيوني في الاعتداء على المسجد الأقصى وفي فرض حصار على المصلين، ما قد يشعل إنتفاضة جديدة ستربك الاسرائيلي الذي نقل قسما من جيشه الى الضفة الغربية خصوصا أن رمضان يشحذ النفوس فيما المسجد الأقصى كان ولا يزال يشكل الدافع الاساس لانطلاق الانتفاضات والكفاح المسلح الفلسطيني.
Related Posts