حسم الرئيس سعد الحريري النقاش يوم أمس في أمرين، الأول، قرار عودته الى العمل السياسي بأنه “لم يحن وقتها بعد، وكل شي بوقتو حلو”، والثاني، علاقة المملكة العربية السعودية بإعتكافه، حيث أكد أن “قراره كان شخصيا، وأن كل ما يُكتب عن علاقته مع السعودية غير دقيق”، محتفظا لنفسه بكثير من الأسرار التي تحيط بهذه العلاقة التي لا يعرف أحد خفاياها إلا الحريري وقيادة المملكة.
لا شك في أن عبارة “كل شي بوقتو حلو” تحمل دلالات عدة، أبرزها أن قرار إستئناف العمل السياسي قد إتخذ من قبل الحريري لكنه وحده يمتلك “التوقيت” الذي يراه مناسبا تبعا للتسوية الجارية في المنطقة ونضوج الظروف الداخلية، خصوصا أن الحريري يدرك تماما أن الأفق السياسي مسدود والانقسام الداخلي يتعمق أكثر فأكثر، والانتخابات الرئاسية في علم الغيب، والتسويات حولها معقدة ومتأخرة، ما يجعل عودته في الوقت الحالي غير ذي جدوى، كونه لن يستطيع أن يبدل من الواقع القائم شيئا.
وجاءت الحشود الشعبية التي شاركت في إحياء ذكرى 14 شباط، لتطمئن الحريري وتعطيه وقتا إضافيا لدراسة ظروف العودة، ولتوجه رسالة واضحة الى من يعنيهم الأمر داخليا وخارجيا بأن “تيار المستقبل” ما زال حاضرا في الحياة السياسية ولم يغب، وأن الرئيس الحريري لم ينته سياسيا كما حاول البعض الايحاء عندما إتخذ قراره بالاعتكاف قبل سنتين، بل هو ما يزال يقف على أرضية شعبية صلبة تترجم بجمهور عريض تفاعل مع الرئيس الحريري الذي إلتزم أمامه بعدم التخلي عنه، لكنه لم يستطع تلبية طلبه في العودة النهائية الى البلد.
وبالرغم من الزيارة القصيرة ومحاولة الحريري مجاملة من إلتقاهم والذين عبروا عن عاطفتهم تجاهه ودعمهم له ولعودته الى الحياة السياسية، إلا أنه لم يخف بعض المواقف من الأطراف السياسية سواء كانت إيجابية أم سلبية.
فقد بدا واضحا، انسجام الحريري الكامل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث حرص على أن تكون أول زيارة له صبيحة عودته الى السراي الحكومي للقائه وتأكيد دعمه لمواقفه، ما يؤكد أن ما يقوم به ميقاتي يتماهى مع تطلعات الحريري، وقد إنسحب هذا الانسجام على العلاقة مع الرئيس نبيه بري الذي زاره الحريري ليلا في عين التينة، وهو لا يتوانى عن الاشادة بحكمته وحنكته، كما لا يترك بري مناسبة إلا يؤكد دعمه للحريري، وقد عبر عن ذلك قبيل عودته عندما أكد أنه “الفائز الأكبر في إنتخابات لم يخضها”، فضلا عن كلمته الشهيرة “مع الحريري ظالما أو مظلوما”.
أما الحليف وليد جنبلاط، فثمة عتب كبير من الحريري عليه، على خلفية قضية أمل شعبان (عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل) والتي يعتبر الحريري أنها تعرضت لظلم إداري بقرار سياسي من دون أن يحرك جنبلاط ساكنا مع وزير التربية الذي كان يفترض به أن يراعي القوانين، وبالتالي فإن أي موعد لجنبلاط أو للقاء الديمقراطي لم يحدد في بيت الوسط، في حين إكتفى النائب تيمور جنبلاط مع بعض نواب اللقاء بوضع إكليل من الزهر على ضريح الرئيس الشهيد بعد إنتهاء مراسم إحياء الذكرى بعد ظهر أمس الأول.
اللقاء مع القوات كان عاديا جدا مع بعض الجفاء، خصوصا أن الحريري مقتنع بأن “المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين”، لكن ذلك لا يمنع من الابقاء على خيط رفيع في العلاقة التي لا يبدو أنها قد تأخذ طريقها نحو التطور وصولا الى التحالف مجددا، في حين العلاقة مع التيار الوطني الحر مقطوعة، إلا من زيارة شخصية للنائب آلان عون فسرها البعض بأنها زكزكة لباسيل بدأت من توجيه التحية للحريري في مجلس النواب وصولا الى الزيارة في بيت الوسط.
وجاء لقاء الحريري الايجابي المترافق مع مأدبة عشاء على شرف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ليوحي بأن العلاقة بين الرجلين أكثر من جيدة وقد ترقى الى حلف جدي، خصوصا أن الحريري أكد في حديثه مع الصحافيين أن فرنجية صديقه وكذلك جهاد أزعور الذي بقيَ بعيدا عن لقاءات بيت الوسط.
ما قاله الرئيس الحريري في يوم الذكرى تلميحا، قاله أمس أمام مجموعة من الصحافيين تصريحا، لكنه حرص على كثير من الوسطية والاعتدال في حديثه الذي غلب عليه النصائح والدعوات الى التفاهم لتأمين الاستقرار ومساعدة أنفسنا لأننا لسنا على لائحة أولويات بعض الدول، إضافة الى التشديد على ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية والذي يعتبره الحريري قرارا يمكن أن تتخذه الكتل النيابية وتترجمه في مجلس النواب من دون أية تدخلات خارجية، سائلا النواب: “ماذا تنتظرون؟”
وحرص الحريري على توجيه رسالة الى أهالي الجنوب بأن “الله يعينهم ويجنبهم الحرب”، معتبرا أن “نتنياهو مجرم يسعى الى إفتعال الحرب”، ولم يحدد الحريري موقفا من الجبهة المفتوحة على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ما يؤكد أن قرار ربط النزاع مع حزب الله ما يزال ساري المفعول.
Related Posts