مئة وثلاثون يوماً، ولا يزال العدو الإسرائيلي يصعّد من هجماته البربرية على قطاع غزة وسكانه، غير آبه بالمناشدات العالمية او حتى بقرار محكمة العدل الدولية القاضي بوقف إطلاق النار.
وفي تصعيد لافت وخطير، اغار الطيران الإسرائيلي على مدينة رفح التي تقع في أقصى جنوب قطاع غزة وتحدها من جهة الجنوب الحدود المصرية الفلسطينية. وذلك بعد عدة تهديدات كان اطلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اكد خلالها الاستمرار في خطة اجتياح مدينة رفح، كاشفاً عن خطة لتهجير سكانها البالغ عددهم حوالي مليون واربعمئة ألف نسمة.
تهديد نتنياهو هذا قابله تحذير مصري رسمي بإمكانية تعليق القاهرة التزاماتها بمعاهدة كامب ديفيد في حال شن الجيش الإسرائيلي هجوما على رفح. الامر الذي يفتح الباب امام أسئلة عدة، ابرزها مدى جدية هذا الاعلان المصري وما يمكن ان ينتج عنه من تداعيات في حال نفّذ. وما سيكون مصير الاتفاقية في حال نفذت مصر تهديدها؟
بادئ ذي بدء، وللتذكير، فإن اتفاقية كامب ديفيد هي معاهدة سلام وقعها كل من الرئيس المصري السابق أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية السابق مناحيم بيغن في واشنطن في ٢٦ آذار ١٩٧٩، بحضور الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر.
اما المحاور الرئيسية للمعاهدة فضمّت النقاط التالية:
– إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام ١٩٦٧ بعد حرب الأيام الستة.
– ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق ايران وخليج العقبة ممرات مائية دولية.
– البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٤٢.
وفي سياق متصل، فإن التوتر الاسرائيلي – المصري الجديد قد بدأ منذ اندلاع حرب غزة في السابع من تشرين الاول المنصرم، على خلفية تصريحات الاسرائيليين بنيتهم تهجير سكان القطاع الى سيناء. اضف الى ان رغبة بنيامين نتنياهو بالسيطرة الكاملة على “محور فيلاديلفيا” وتصريحه العلني بذلك زاد الاوضاع تعقيداً، لتأتي الاعتداءات الاخيرة على رفح لتنسف كل الجهود التي تحاول مصر منذ البداية القيام بها لوقف اطلاق النار، وتعرض العلاقات المصرية – الاسرائيلية للتوتر.
و”محور فيلادلفيا” هو الاسم الثاني لمحور “صلاح الدين” وبحسب الاتفاقية فإنه يقع في منطقة عازلة، ويمتد على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر سالم ابو كرم جنوباً.
توازياً، فإن التلويح المصري بوقف الالتزام بإتفاقية كامب ديفيد، تدعم جديته الى جانب استمرار الانتهاكات الاسرائيلية، اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة سنة ١٩٦٩، والتي نصت على “جواز تعليق أي معاهدة أو الانسحاب منها في حال حدوث “تغيير جوهري” في الظروف التي أبرمت في ظلها (المادة ٦٠)، المس بغرض المعاهدة وموضوعها (المادة ٦٢)، الخرق الجوهري او التغيير الجذري في الظروف (المادة ٦٥)”.
الى ذلك، فإن لإلغاء معاهدة كامب ديفيد تداعيات سلبية على كل من مصر واسرائيل. فتنفيذ القاهرة لتهديدها سيعرّض الجيش الاسرائيلي لمزيد من الضغوط لناحية عديده المتواجد على الحدود مع مصر، الامر الذي سيشكل تحدياً جديداً له لا سيما مع استمرار حرب غزة والمناوشات اليومية في الجنوب اللبناني.
اما مصر، فإذا ما قررت تنفيذ تهديدها، ستكون امام تعميق لازمتها الاقتصادية. اذ ان وقف تطبيق المعاهدة قد يحرمها من المساعدات التي تتلقاها من الولايات المتحدة الاميركية بالمليارات. كما أن ارسال تعزيزات عسكرية إلى سيناء سيشكل عبئاً جديداً على الاقتصاد المصري المتهالك اصلاً.
بين الاستمرار بالتطبيق والتعليق، هو امتحان امام القيادة المصرية. فهل ستنجح في اجتيازه وتثبت انها الى جانب الفلسطينيين قولاً وفعلاً حتى استعادة آخر شبر من ارضهم؟ ان غداً لناظره قريب.
Related Posts