حسمها رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن “لا جلسات متتالية لإنتخاب رئيس الجمهورية من دون حوار أو تشاور”، مجددا الدعوة الى “حوار الأيام السبعة التي يمكن أن تنتج توافقا على رئيس”، وذلك وفق الثوابت التي سبق وأطلقها ومن أبرزها أن “لا فيتو على مرشح ولا فرض لمرشح”.
كلام الرئيس بري لم يأت من فراغ، أو من باب العناد والتمسك بالحوار أو محاولة فرضه على سائر الأطراف، بل جاء ليحاكي تطلعات اللجنة الخماسية التي أكد سفراؤها في لبنان أنها ليست بصدد فرض أي إسم من الأسماء المرشحة، خصوصا أن ذلك يشكل إنتهاكا للسيادة اللبنانية ومصادرة لدور مجلس النواب، بل هي ستعتمد مبدأ طرح المواصفات تمهيدا لإنتخاب من تنطبق عليه.
لا شك في أن المواصفات تفتح بابا واسعا من الانتقائية والاستنسابية والجدال العقيم، خصوصا أنها تتبدل مع تبدل الظروف السياسية، وكل فريق سياسي يمكن أن يُسقطها على مرشحه ويُبعدها عن المرشح المنافس، ما قد يُدخل الاستحقاق الرئاسي في متاهة من الصعب الخروج منها، خصوصا في بلد مثل لبنان تختلف تياراته وأحزابه على كل شيء.
لذلك، لا بد لهذه المواصفات أن تخضع لنقاش مستفيض في جلسات حوار أو تشاور يشارك فيها كل الأطراف السياسية، بما يمكنها من التوافق على قواسم مشتركة من شأنها أن تفضي الى تسمية مرشح أو أكثر، ومن ثم الذهاب الى الجلسات المفتوحة التي تعهد الرئيس بري بعقدها بعد الحوار.
واللافت، أن بعض التيارات السياسية تناقض نفسها في تعاطيها مع مسألة الحوار، حيث لا يخلو خطاب أو موقف لقياداتها من دون أن يشدد على أهميته وضرورة اللجوء إليه لحل الأزمات، لكن العناد والنكد السياسي اللذان يسيطران على تلك التيارات يحول دون قبولها بالحوار الذي يدعو اليه الرئيس بري، في حين يتخوف البعض من أن يفضي الحوار الى إنتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، وهو أمر بعيد عن المنطق والواقع، كون فرنجية يمتلك 51 صوتا حصل عليهم في الجلسة الـ12 ولا يزال يحتاج الى 14صوتا وأكثر للفوز والى 35 صوتا لتأمين النصاب، وهذان الأمران لا يمكن أن يحصلا إلا من خلال تبديل في مواقف بعض الكتل النيابية، وفي حال ساهم الحوار في تبديل هذه المواقف فإنه يكون قد أثمر وجسّد مبدأ الديمقراطية، خصوصا أنه مهما حاولت الدول التدخل أو الضغط لترجيح كفة مرشح على آخر، فإن الأمور تعود الى مكونات المجلس النيابي التي ستضع إسم مرشحها في صندوقة الاقتراع.
وفي هذا الاطار، يبدو أن بعض التيارات السياسية تصرّ على وضع العصي في دواليب قطار الاستحقاق الرئاسي لعرقلة وصوله الى قصر بعبدا في الوقت الحالي، إنطلاقا من طموحات وأمنيات تتطلع الى أن تتبدل المناخات الدولية والاقليمية بشكل يمنح رؤسائها فرصة رئاسية جديدة، ويترجم ذلك، بعدم ترشيح أي كان، ورفض التوافق على مرشح، والتصدي لمبادرات الحوار، وقطع الطريق على مرشح الفريق الآخر، فضلا عن عمليات الشغب التي بدأت تمارس على اللجنة الخماسية سواء بضرب جهودها والتقليل من أهمية ما تطرحه، أو بمشاكستها ومعارضة طروحاتها خصوصا تلك التي تؤكد أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع.
هذا الواقع، يؤكد أن الهوة لا تزال سحيقة بين جهود الخماسية وبين الانقسامات السياسية، ما يجعل من الحوار الذي يتمسك به الرئيس نبيه بري مدخلا لتقريب وجهات النظر حول المواصفات المطروحة والتي قد تمهد الطريق للذهاب الى الانتخابات!..
Related Posts