لبنان وتركيا والإهتمام بمعاناة المواطنين: مقارنة ظالمة!.. عبدالكافي الصمد

يوم السبت الماضي، في الثالث من شهر شباط (فبراير) الجاري، أعلنت الحكومة التركية على لسان رئيسها رجب طيّب إردوغان بأنّها “سلّمت مفاتيح منازل إكتمل بناؤها حديثاً لآلاف ممّن دُمّرت منازلهم” بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوبي البلاد في 6 شباط (فبراير) من العام الماضي وذهب ضحيته أكثر من 53 ألف قتيل، وذلك بعد عام من أسوأ كارثة شهدتها البلاد في تاريخها الحديث؛ إذ أدّت الزلازل القوية هناك إلى مقتل أكثر من 50 ألف شخص في 11 إقليماً وتشريد الملايين.

خلال ذلك الإعلان كشف إروغان أنّ حكومته سلّمت 7275 منزلاً، وأنّها ستسلّم تدريجياً نحو 40 ألف منزل في جميع أنحاء المنطقة بمجرد الإنتهاء من بنائها، وأنّه سيتم تسليم نحو 75 ألف منزل خلال الشّهرين المقبلين، مضيفاً أن الحكومة تعتزم تسليم 200 ألف منزل في المجمل هذا العام، حيث أنّ نحو 680 ألف منزل دُمّر في منطقة الزلزال، وأنّ 390 ألف أُسرة مُسجلة لاستلام منازل سيتمّ بناؤها هناك.

هكذا وخلال فترة زمنية قصيرة شيدت الحكومة التركية لمواطنيها منازل جديدة عوض التي دمرها الزلزال، واذا سارت الامور وفق الخطة المعتمدة فانه في غضون 3 سنين سيكون الاتراك الذين تضررت منازلهم قد حصلوا على مفاتيح منازل جديدة لهم تاويهم مع عائلاتهم.

في بلد مثل لبنان، وبعد انتهاء الحرب الأهلية منذ قرابة 34 عاماً، فإنّ آثار الدّمار في بعض المناطق، طرابلس تحديداً، ما تزال بادية أمام الأعين، من غير أن تقوم الدولة بالحدّ الأدنى من واجباتها تجاه مواطنيها بإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، برغم إنفاقها عشرات مليارات الدولارات على إعادة ما دمّرته الحرب ذهبت هدراً وفساداً، فكانت النتيجة أنّ عدّة أحياء في المدينة، وخصوصاً في باب التبّانة وجوارها، ما تزال آثار الدّمار نتيجة الحرب ظاهرة على مبانيها ومحالها التجارية، ولم يعد سكانها إليها ولم يستطيعوا ترميمها، كما أنّ المجمّع السكني الكبير الذي أعادت الدولة بناؤه في المنطقة ودشنّه الرئيس الراحل رفيق الحريري، وسُمّي المجمّع باسمه، بات يحتاج اليوم لإعادة تأهيل نتيجة جولات الإشتباكات التي جرت منذ سنوات على محاور القتال في باب التبّانة وجبل محسن وجوارهما.

وكما أهملت الدولة الأضرار والخسائر التي لحقت بمواطنيها بسبب الحرب، فإنّها أهملت أيضاً الأضرار التي لحقت بالمواطنين نتيجة عوامل طبيعية، التي كان آخرها وأبرزها إنهيار جانب من جبل حامات في شكا فوق المسرب الغربي للطريق الدولية التي تربط بين طرابلس وبيروت، في 12 كانون الأول (ديسمبر) من العام 2019، وهو إنهيار ما يزال ركامه على حاله منذ ذلك الحين.

إهمال الدولة بحكوماتها المتعاقبة لا سيما ما وصف منها بحكومات الإنماء والاعمار شمل أيضاً، في طرابلس ومحيطها على سبيل المثال لا الحصر، البنى التحتية في المدينة التي تغرق أسواقها بالمياه مع أول هطول للأمطار، ومكبّ النّفايات الذي تحوّل مع مرور الأيّام إلى قنبلة موقوتة ينذر بالأعظم، ومعرض رشيد كرامي الدولي الذي تحوّل إلى متحف تهترىء منشآته عاماً بعد آخر بدل تحوّله إلى منشأة إقتصادية رائدة تساهم في نقل واقع المدينة الصعب نحو واقع أفضل، وأيضاً منشآت نفط طرابلس في البداوي التي تحوّل أغلبها إلى خردة، فضلاً عن مواقع ومبانٍ ومنشآت يعود بعضها إلى أيّام العهدين المملوكي والعثماني، وبعضها الآخر إلى أيّام الإنتداب الفرنسي، تتعرّض كلّ يوم للتصدّع والإنهيار والإهمال والتشويه، من غير أن تكلّف الدولة، بمؤسساتها الرسمية، عناء ولو صيانة هذه الأماكن والمباني والمنشآت، ما يعطي فكرة عن حجم التنصّل من المسؤوليات.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal