نشر موقع “الجزيرة نت” تقريراً جديداً، اليوم الأربعاء، تحدّث فيه عن الخلفية التاريخية لـ”حزب الله” وارتباطه بـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني فضلاً عن تاريخ علاقته بالفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة “حماس”.
وبعد الاجتياح، اجتمعت لجنة تمثل التجمع العلمائي في البقاع، واللجان الإسلامية، وحركة “أمل الإسلامية”، وتوصلوا إلى وثيقة عرفت باسم “وثيقة التسعة”، ثم حملوها إلى المرشد الإيراني بصفته “المرجع الشرعي والفقهي” لهم، الذي أقرها لهم ومنحهم “الموافقة الشرعية” عليها، وبعد مداولات فيما بينهم حول اسم المولود الجديد، توافقوا على اسم “حزب الله”.
بذلك، فإن علاقة الحزب مع “الولي الفقيه” الذي كان يمثله الخميني، بدأت من التأسيس والتأثر الفكري ثم بفتح خط العلاقات السياسية والمرجعية.
بعد الاجتياح، أوفدت إيران وفداً من مؤسستها العسكرية، وعلى رأسها “الحرس الثوري”، إلى لبنان، ثم دخلت مجموعة منه إلى البقاع، وأقامت معسكراً في منطقة “جنتا” لتدريب الجيل الأول من مقاتلي الحزب، وبينهم الأمين العام السابق عباس الموسوي، الذي استُشهد بعملية اغتيال إسرائيلية عام 1992.
تركز علاقات حزب الله مع الدولة الإيرانية في تلك الفترة مع شخصيات من الحرس الثوري الإيراني، بينهم محسن رضائي، والسفير في سوريا علي أكبر محتشمي، وعلي خامنئي الذي انتدبه الإمام الخميني للتنسيق مع الحزب.
وكانت هذه العلاقة متعددة الأبعاد، وبقي “الولي الفقيه” يمثل مرجعاً للحزب في القضايا التي يرى أنها يجب أن تناقش من “أرضية شرعية”، كما في قضية الحصار الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قرى في جنوب لبنان، بعد عملية الاستشهادي علي صفي الدين عام 1984، إذ ثار حينها احتجاج من أطراف أخرى على الثمن الذي يدفعه الأهالي بعد هذه العمليات، فتوجه الحزب لاستنطاق الخميني في القضية، فقال إن العمليات العسكرية يجب أن تتواصل.
وفي قضية أخرى، يروي الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أن الحزب توجه إلى الإمام الخميني خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988)، لحسم النقاش في كيفية تصرف حزب الله في حال أقدم جيش الاحتلال على اجتياح كامل للأراضي اللبنانية.
تحت ظل فيلق القدس
وفي العام 1998، كان لتولي اللواء قاسم سليماني مسؤولية فيلق القدس، أثراً نوعياً في العلاقة مع الحزب. فسليماني بدأ مهماته في إدارة الفيلق بالتوجه نحو لبنان، والتعرف على قادة الحزب، وزيارة مواقعه التي كانت في مواجهة المنطقة المحتلة من الجنوب، وأقام علاقات راسخة ومتينة مع قيادات الحزب، وعلى رأسهم نصرالله والقياديين الراحلين عماد مغنية ومصطفى بدر الدين وآخرون. كذلك، أكمل سليماني مسار زيادة قوة الحزب وتطوير عملياته القتالية.
وفي السنوات التالية وحتى اغتياله عام 2020، كان سليماني مركزياً في العلاقات مع الحزب، ينسق معه على مختلف الجبهات التي دخلا فيها معاً، وحتى في العلاقات مع الفصائل الفلسطينية وتلك التي في العراق والمناطق التي أقامت إيران علاقات معها واستثمرتها في الحرب على الأرض السورية.
وفي حرب عام 2006، كان سليماني حاضراً إلى جانب نصرالله ومغنية في إدارة المعركة والتنسيق مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.
العلاقة مع الفصائل الفلسطينية
وبالتوازي مع علاقاته بالرئيس عرفات، كان لدى مغنية علاقات تاريخية مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية – القيادة العامة” وغيرها من الفصائل المحسوبة على المقاومة.
وكانت انتفاضة الأقصى عام 2000، فرصة لتطوير مسار “دعم المقاومة الفلسطينية”، حتى مع جهات داخل حركة فتح، ومن أبرز تجليات ذلك قضية سفينة “كارين أيه “التي أعلن جيش الاحتلال السيطرة عليها قبل وصولها إلى شواطئ قطاع غزة.
وفي سنوات ما بعد انتفاضة الأقصى، بقي دور الحزب بالشراكة مع سليماني في التنسيق مع الفصائل الفلسطينية وأجهزتها العسكرية، خاصة في قطاع غزة، يأخذ أبعاداً أوسع في ظل سعي كتائب المقاومة لتطوير بنيتها العسكرية، من خلال بناء منظومة الأنفاق وتطوير الأسلحة النوعية مثل الصواريخ وغيرها.
الوقوف ضد الثورة
في بدايات حزب الله وترسيخ وجوده العسكري، لم تكن علاقته بالإدارة السورية التي كانت تتحكم في لبنان، إيجابية.
ويروي قادة في الحزب، أن شخصيات في النظام السوري كانت تدفع نحو الصدام مع الحزب، ويتهم هؤلاء القادة غازي كنعان، القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان، بالوقوف خلف الصدام مع الحزب، كما في حادثة “ثكنة فتح الله” عام 1987، التي قتل فيها الجيش السوري عدداً من عناصر الحزب، واتهم اللواء جامع جامع شخصياً بالوقوف خلفها.
وفي عدوان “عناقيد الغضب” الذي شنه جيش الاحتلال على لبنان عام 1996، يروي قادة من الحزب بينهم المعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل، أن غازي كنعان اصطدم بالحزب وأظهر غضباً من سلوك الحزب العسكري، وذلك قبل أن تتجه العلاقات نحو مسار إيجابي، بعد أن كلف حافظ الأسد نجله بشار بالتنسيق مع الحزب.
ظلت العلاقة بين الحزب والنظام السوري تنضج حتى وصلت إلى وصف نصرالله لها بـ”العلاقة الإستراتيجية”، بعد أن أصبحت سوريا مساراً لنقل السلاح إلى الحزب من إيران، حتى وصلت العلاقة إلى بناء محور تمثل إيران وسوريا والحزب أضلاعه الأساسية.
كان انطلاق الثورات العربية، بداية من تونس وبعدها مصر، ثم وصولها إلى دول عربية أخرى بينها سوريا، مرحلة جديدة في تاريخ الحزب والمنطقة. حينها، أعلن حزب الله مواقف مرحبة و”إيجابية” من الثورات، خاصة في تونس ومصر، لكن وصولها إلى سوريا مثل “هزة” ضخمة في رؤيته لمسار الأحداث وعلاقاته على مستوى المنطقة وما يعرف بـ”محور المقاومة”.
محاولة الوصول لتسويات
يقول الحزب إنه في بداية الثورة أجرى اتصالات للوصول إلى تسويات، ولكنه لاحقا أعلن موقفا واضحا بالوقوف خلف النظام، فيما قال إنه “حرب على محور المقاومة” والنظام الذي يمثل الشريان الإستراتيجي له في الإمداد والدعم السياسي والعسكري. وفي صيف 2013، أعلن الأمين العام للحزب رسمياً انخراطه في المعركة التي بدأت في مدينة القصير، إذ اعتبر أن وجود التشكيلات العسكرية للثورة فيها يشكل تهديدا له.
سنوات الثورة مثلت انخراطاً كاملاً للحزب إلى جانب النظام وإيران وبقية حلفائهما، ويروي الجنرال الإيراني حسين همداني في مذكراته “رسائل الأسماك” أن نصرالله مثل مرجعية مركزية في تقييم الأحداث في سوريا ووضع الخطط للتعامل معها.
ودفع الحزب بالتنسيق مع سليماني بقوات إلى سوريا، وقتل عدد من قادته التاريخيين في المعارك. ولم تقتصر هذه المشاركة على الأرض السورية، إذ أعلن الحزب مشاركة قادة منه في إسناد المجموعات العراقية في مواجهة تنظيم “داعش”، الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق، بدءًا من عام 2014.
هل رأت “وحدة الساحات” النور؟
في سنوات ما بعد 2015، عادت العلاقات بين حماس والحزب وإيران إلى مسار التقوية، وصولاً إلى الإعلان عن مفهوم “وحدة الساحات” الذي يؤرخ له بعام 2021 بعد معركة “سيف القدس”، وهو مفهوم لا يزال قيد التبلور، بالرغم من كونه لم يأخذ وضعاً يمكن الحكم فيه بأنه أصبح نافذا في المجريات العسكرية والميدانية.
وعلى الرغم من أنه يمكن قراءة التدخلات ضمن قواعد محدودة للاشتباك، التي نفذها الحزب وفصائل إسلامية في العراق وجماعة “أنصار الله” في اليمن، على أنها تعبير عن “وحدة الساحات”، فإنها “وحدة” ظلت في إطار المشاغلة وفتح جبهات مع الاحتلال الإسرائيلي من دون الذهاب إلى حرب واسعة.
وأظهر الواقع المعقد الذي أوجدته معركة “طوفان الأقصى”، تعقيداً على مستوى العلاقات بين قوى المحور. الحزب الذي أعلن أن الواجب هو العمل على “عدم السماح بهزيمة حماس”، ونفذ سلسلة من العمليات ضد مواقع الاحتلال على الحدود مع لبنان، ظهر وكأنه يعمل في سياق قواعد اشتباك معروفة، وخطوط لم يحدد بدقة متى يخرج عنها ويوسع فيها من عملياته.
يلحظ المتتبع لتاريخ الحزب أن الاتجاه نحو بناء علاقات في المنطقة مع قوى مختلفة، خاصة تلك المؤيدة لخط المقاومة، نمط حاكم في فلسفته الإستراتيجية، توازيا مع علاقاته الراسخة مع النظام الإيراني. وعلى الساحة الفلسطينية أقام علاقات مع الجهاد الإسلامي وحماس وغيرهما من القوى الوطنية التي عارضت اتفاقيات التسوية.
يمثل حزب الله مركزية في “محور المقاومة”، وإن كان يرتبط عقائدياً ومعنوياً وسياسياً بنظام “الولي الفقيه” في إيران، إلا أن حصر علاقاته هذه في “بعد التبعية” يخفي كثيراً من التفاصيل.
ومع أن للحزب سياقات مختلفة في هذه العلاقة، من ناحية إتباع “الولي الفقيه” على المستوى الشرعي والتنسيق العالي على المستويات السياسية والعسكرية مع إيران، إلا أن له أبعاداً لبنانية اجتماعية وتاريخية، وارتباطاً تاريخياً مع القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل تحليل مواقفه من دون هذا الاعتبار بعيدا عن الدقة في أحيان كثيرة، كما أن مؤسساته التي بناها طوال سنوات لها وضعية مستقلة في تحليل واتخاذ القرار.