تشتهر مدينة طرابلس شمال لبنان بغناها التاريخي، كيف لا وهي تأسست سنة 700 قبل الميلاد وتنتشر في كل أنحاء المدينة القديمة آثار تعود للحقبات الصليبية والمملوكية والعثمانية، ومنها الخانات التي كانت تعتبر موقع لبيع وشراء البضائع وتخزينها ويعتبر خان الخياطين مثالا حيا لتلك العملية.
في طرابلس وتحديداً في باب الحديد، يوجد أقدم خانات المدينة هو خان الخياطين، ومنذ إنشائه كان متخصصاً بحياكة الحرير ونسجه وقد اشتهرت طرابلس بصناعة الحرير والنسيج.
بُنيَ خان الخيّاطين على يد الأمير بدر الدين في القرن الرابع عشر ميلادي ويعود إلى عهد المماليك حيث كانوا يسعون قديماً إلى جعل الخياطة مهنة وتجارة يُستفاد منها كما أرادوا تحويلها من موهبة إلى حرفة مهمة وتجارة رابحة، عندها عمد المماليك إلى إيجاد مكان مناسب ليمارس الخياطون مهنتهم باحتراف وكانت طرابلس حاضنةً لابداعاتهم فنتج عن هذا الأمر بناء خان الخيّاطين الموجود إلى يومنا هذا.
تبلغ مساحة خان الخياطين حوالي ١٢٠٠ مترا مربّعا، ويتألّف من قسمين أرضي وعلوي.
الطابق الأرضي، يشكّل مكان بيع وشراء الألبسة عبر 26 محلا تجاريا، أمّا بالنسبة للطابق العلوي فهو عبارة عن مجموعة غرف للإقامة يبلغ عددها 26 غرفة.
وكانت أبواب الخياطة تعتمد أبواباً تسمى “دروان”، والباب عبارة عن جزأين يتم إسدال العلوي ورفع السفلي لإغلاق المحل، وكانت أمام المحال مصاطب يجلس عليها الخياطون فيؤلفون فسيفساء جميلة ذات ألوان مختلفة .
صُمم خان الخياطين ليتسع ويستوعب أكبر عدد من التجار والزوار، فأنشئ له مدخلان رئيسيان ولا تزال الأبواب الخشبية تزين كل محلاته، كما لا يزال حتى اليوم يجمع بين حرفة الخياطة، وبيع الأقمشة والملابس العربية القديمة (كالشراويل والطرابيش والزنانير)، ونظراً لجودة أنواع الأقمشة والالبسة المميزة التي نادراً ما تجدها خارج هذا الخان، أصبح يحتل مركزاً ممتازاً ورئيسياً في جولات السائحين والباحثين الذين يتوافدون الى طرابلس للتعرف إلى تاريخها وتراثها وحضارتها.
يُجمع الطرابلسيون وحتى القادمين من خارج طرابلس على أهمية هذا الخان العريق الذي تلفت الخياطة المتقنة فيه نظر السائحين في كل مرّة يأتون بها لزيارة المدينة والخان تحديداً، فلا يتردّد السائح في شراء الألبسة التراثية المتمثّلة بالطربوش، العباءة الرجالية، القفطان الذكوري، الشروال، القنباز والثوب النسائي المطّرز بأجمل الزخارف والخيوط.
لا يقتصر شراء الألبسة التراثية على السوّاح فقط، بل تسعى الفرق الفنية العربية الى شراء أزيائها الفريدة من نوعها من خان الخياطين حيث تقوم هذه الفرق بإحياء حفلات واستعراضات باللباس المشغول يدويّاً على يد الطرابلسيين.
الأزمة الإقتصادية ساهمت في إعادة احياء حركة الخان
مع بدء الأزمة الإقتصادية والغلاء الذي طال كل مستلزمات الحياة لاسيما الملابس، قرر الأهالي اللجوء الى خان الخياطين لحياكة وإصلاح الملابس فضلاً عن شراء الملابس الجديدة.
يجلس أبو علي على كرسيه الخشب داخل محله الصغير الكائن في خان الخياطين يحيك ملابس زبائنه، وهو أكبر الخياطين سناً وخبرة، في حديث لـ”سفير الشمال” يستذكر “أيام الزمن الجميل” عندما لم تكن الألبسة الجاهزة موجودة وكان خان الخياطين مقصداً للغني والفقير ويقول: “قررت الصمود وتحدي الظروف الاقتصادية والاجتماعية للحفاظ على هذا الارث العريق الذي ورثته عن اجدادي وأفتخر به”.
وعن حركة الخان توضح السيدة كرمى وهي نموذج عن السيدات المناضلات الصامدات أننا “نواجه صعوبات بألتاكيد لكننا نسعى دائما للتركيز على الإيجابية، فالحركة تحسنت نوعاً ما منذ بدء الأزمة إذ أن غالبية السكان المحيطين بالخان يأتون لإصلاح ملابسهم عوضاً عن شراء ملابس جديدة، وبهذه الطريقة يوفرون تكلفة باهظة وايضاً يساهمون في اعادة احياء حركة الخان من جديد ناهيك عن بعض السياح الذين يقصدون الخان لشراء الطربوش واحياناً العباءات كذكرى ترافقهم للخارج وحتى الى الداخل “
خان الخيّاطين ككلّ خانات السوق القديم، هو كنز لا يمكن للمارّين فيه تصوّر أهميّته التاريخية والمراحل البارزة التي شهد عليها، في حين يصر أصحاب المحلات في الخان، على الحفاظ على مهنتهم وتوريثها لأبنائهم ليبقى الخان شاهدا على معظم تفاصيل الحياة اليومية لاهالي مدينة طرابلس، ومعلما من معالمها الاثرية والتراثية.
Related Posts