إنتخابات تايوان تضع السلام العالمي على المحك!.. بقلم: إيمان درنيقة الكمالي

لم تكن الانتخابات الرّئاسية التي أُجريت في تايوان في 13 يناير/كانون الثاني 2024 مجرّد استحقاق اختار من خلاله الناخبون التايوانيون رئيسهم ومجلسهم التشريعي المقبلين فحسب، بل كانت “بوصلة” لتحديد مسار العلاقات بين الولايات المتّحدة والصين على مدى السنوات المقبلة. وقد عبّر عن ذلك الرئيس الصيني “شي جي بينغ” حين قال أنّها “اختيار بين الحرب والسلم”.

لقد كانت هذه الانتخابات الأكثر تنافسيّة اذ أنّها جرت بين ثلاثة مرشّحين هم: “لاي تشينغ تي” من الحزب التقدمي الديمقراطي، الحزب الّذي يمثّل استقلال تايوان، و”هوي يويه” من حزب الكومينتانغ المعارض الّذي يدعو الى توثيق العلاقات مع الصين، اضافة الى المرشح الثالث “كو وين جي”، وهو من حزب الشعب التايواني؛ وقد حسم “لاي” المؤيد لاستقلال الجزيرة السباق لصالحه.

فهل يشكّل فوز “لاي تشينغ تي”، المؤيِّد لاستقلال تايوان، “ضربة” لسياسة الصين في إعادة توحيد الجزيرة؟ وما هو أثر نتيجة الانتخابات التايوانيّة على العلاقات “الصينية – الأمريكية” بشكل خاص، و”الاقتصاد” و”السلام” العالميين بشكل عام؟.

لطالما كانت “تايوان” هامّة بالنّسبة للصين، الّتي تعتبرها جزءًا منها وترى أنه لا بد من أن تستعيدها “سلمًا أو حربًا”، وكثيرا ما تجري مناوراتٍ عسكرية في مضيق تايوان. كما ترى أنّ توحيد الصين مع تايوان، وفق ما صرّح به الرئيس الصيني شي جي بينغ، هو ” أمر حتمي”. وهذه الحتمية ازدادت جديّتها في ظلّ الضعف الاقتصادي الّذي تشهده الصين حاليا، فقد أظهرت بعض البيانات استمرار تباطؤ الاقتصاد الصيني، أولها مؤشر أسعار المستهلكين الّذي أكّد أن هناك حالة إنكماش لثلاثة أشهر على التّوالي مقارنةً مع السنة الماضية؛ الأمر الذي لم يحصل منذ 14 سنة أي منذ عام 2009، والذي يشكّل خطورةً كبيرةً على الصين. كما أنّ صادرات الصين قد انخفضت عام 2023 بنسبة 4.6% منذ عام2016.

ولعلّ أسباب تراجع الاقتصاد الصيني تعود إلى الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتّحدة الأمريكيّة على الأسواق التجارية والتي تقيّد من خلالها حركة التجارة مع الصين، وقد بدأت هذه الحروب في عهد الرئيس ترامب، واستمرت مع الرئيس بايدن تحت مسمّى سياسة ال

“Derisking ” أي العمل على نقل سلاسل التوريد الى الاصدقاء والحلفاء لتقليل وتقويض دور الصين.

وفي ظل هذا الواقع، فقد أصبحت السيطرة النهائية على الجزيرة أمر حيوي لأمن الصين القومي.

وبقراءة موضوعيّة لنتائج الانتخابات في تايوان، فإنّ الفائز “لاي” لم يحقق “النصر العظيم” ، وذلك لأنّه حصل على نسبة 40.05% فقط من الأصوات، ومقارنة مع نتائج الانتخابات في عامي 2016 و2020 فقد كان مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي يتقدّم على مرشح حزب الكومينتانغ بأرقام مضاعفة؛ وهذا ان دلَّ على شيء، فإنّما يدلّ على تزايد الدّعم الشعبي في تايوان للحزب الذي يفضل توثيق العلاقات مع الصين، و يزيد من مخاوف الولايات المتّحدة من أن “تايوان”، ومضيقها، وبحر الصين الجنوبي تبتعد أكثر عن قبضتها. كما أنّ نيل الحزب الديمقراطي ل 51 مقعدا في المجلس التشريعي المكون من 113 مقعدًا يدلّ على أنّ الحزب الديمقراطي التّقدمي لن يتمتّع باليد العليا التشريعية.

ومن ناحية ثانية، فإنّ انخفاض مقاعد حزب الكومينتانغ البالغ عددها 52 مقعداً (دون عتبة 57 مقعداً) يظهر أن النظام السياسي في تايوان سيكون أكثر تشرذما مما كان عليه منذ عام 2008، ما سيكون له عواقب وخيمة على الكيفيّة التي ستتفاوض بها تايوان مع كلّ من الولايات المتحدة والصين.

ومع هذا، فقد كانت الصين متخوفة كثيرا من فوز “لاي”، وسعت في الأسابيع التي سبقت الانتخابات، لأن تتدخّل عسكريا عن طريق ارسال طائرات عسكرية وسفن وبالونات عبر مضيق تايوان، وتشويه سمعة “لاي” ووصفه بأنه “مدمر للسلام”، ومحرّض كبير.

‎فكيف تتلقّف اليوم الصين نتيجة فوز “لاي”، خاصة بعد أن تخلّى الرئيس بايدن عن “الغموض الاستراتيجي” الّذي طالما حافظت عليه الولايات المتحدة بشأن تايوان، وصرح مرارًا وتكرارًا أنّ الولايات المتحدة ستأتي للدفاع عن تايوان إذا تعرّضت للهجوم؟ وهل تقبل الصين النتيجة بطيب خاطر وهي التي قامت بتدريبات ضخمة بالذخيرة الحية بمجرّد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي للجزيرة في أغسطس/ آب 2022؟

لا شك في أنّ الانتخابات تايوان 2024 تبعات خطيرة على الأميركيين الّذين يتدخّلون في الصّراع بين الصين وتايوان. وقد عرضت صحيفة بلومبرغ ايكونوميكس، الأمريكية عدّة سيناريوهات محتملة بعد فوز “لاي”.

ويتمثل السيناريو الأوّل، في حال لو حصل غزو صيني على تايوان، فالاقتصاد العالمي برمّته سوف يتأثر. فلتايوان أهمية فائقة في الاقتصاد العالمي والبعض يصفها ب”المسمار الذهبي” . وقد بلغت صادراتها في عام 2023، 368 مليار دولار. كما أنّها دولة تتحكّم بـ 60% بأشباه الموصلات في العالم، وب 90% من أشباه الموصلات الأكثر تطوّرا، وبالتالي إذا قَطعت تايوان علاقاتِها بالعالم، أُصيب الاقتصاد العالمي كلّه بالشّلل، وفقد حوالي 10 تريليون دولار، أي ما يساوي 10% من حجمه) بعد الأخذ بالاعتبار عدّة عوامل كانقطاع أشباه الموصلات الّتي تنتجها تايوان، وتوقّف حركة الشحن في البحر، وتعرّض الصين الى عقوبات تجارية أمريكية….) كما سيؤدي ذلك الى انكماش في اقتصاد تايوان بنسبة 40%، واقتصاد الصين ب17% وأميركا ب 7%.

أمّا السيناريو الثاني، وفق بلومبورغ ايكونوميكس، فهو أن تفرض الصين حصارا يستمر لعام على تايوان، وفي هذه الحالة، فإن الاقتصاد العالمي سينكمش بحدود 5%، إضافة إلى الآثار التي تترتّب على ذلك، والّتي تكون مرتبطة بمدّة الحصار وردّة فعل امريكا وحلفائها.

وفي كلتا الحالتين، فإنّ الهجوم الّذي من المحتمل أن تشنّه الصين على تايوان المدعومة من الولايات المتحدة يشكّل أخطر تهديد في يومنا هذا، وتفوق تداعياته أزمة كوفيد، والأزمة الاقتصادية العالمية 2008، وحتى غزو روسيا لأوكرانيا.

ومع ذلك، يبدو أنّ “لاي” حريص على تأمين السلام، ففي “خطاب النصر”، أكد “لاي” مسؤوليته عن حماية السلام والاستقرار عبر المضيق، كما أشار إلى الانفتاح على الحوار مع الصين “في ظل مبادئ الكرامة والتكافؤ”.

وهكذا فالكرة الآن في ملعب بكين.

فهل تستطيع الصين، من دون أن تتخلّى عن مطالبها وأهدافها، التصرّف بحكمة وعقلانية في سعيها إلى تحقيق السلام والاستقرار؟ أم تتخلّى عن الثّقة و”حسن النية” التي اكتسبتها “بشق الأنفس” وتنخرط في ردّ فعل عدواني على الانتخابات؟..

الكاتبة: ال دكتورة إيمان درنيقة الكمالي

أستاذة جامعية وباحثة سياسية


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal